بيروت ـ أحمد منصور
تواصل إسرائيل فصول مسلسل عدوانها في تدمير وتهجير القرى والبلدات الحدودية اللبنانية مع فلسطين المحتلة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، بعد عملية «طوفان الأقصى»، في مشهد قل نظيره، حيث تصب الطائرات الحربية الإسرائيلية حممها وصواريخها الضخمة، لاسيما على تلك البلدات ذات المواقع والتضاريس الاستراتيجية، التي تخيف الإسرائيلي.
يعتمد العدو سياسة الأرض المحروقة لرسم المساحات المحيطة والمقابلة لحدود فلسطين والمواقع الإسرائيلية فيها، على شاكلة المطارات لتصبح أرضا مكشوفة، لا ملجأ لرجال المقاومة وأبناء القرى الذين يدافعون عن أرضهم ووطنهم ضد العدوان والاعتداءات الإسرائيلية.
وفي معرض شريط القرى الحدودية، بلدة عيتا الشعب (قضاء بنت جبيل)، التي باتت خالية من سكانها وعددهم 13000 نسمة، نتيجة تدمير إسرائيل لأكثر من نصف منازل البلدة، كما أكد رئيس بلديتها محمد سرور، نظرا إلى موقعها الهام والإستراتيجي المخيف للعدو الإسرائيلي.
وإذ أشار سرور إلى «أهمية الموقع الجغرافي لعيتا، حيث تقع على عدة تلال، وتحيطها الغابات الحرجية من اشجار البطن والسنديان والزعرور، التي تمنع الإسرائيلي من رؤية ما يجري أمامه، وهذا ما يدفع اسرائيل إلى اطلاق القذائف الفوسفورية على أحراجها لاشعالها وتدميرها لتصبح ارضا مكشوفة».
واعتبر «ان البلدة تتعرض لتدمير ممنهج لا مثيل له، إذ ان إستراتيجية الإسرائيلي هي التدمير والتهجير وتخويف الناس، وهذا ما يبدو واضحا من خلال حربهم في غزة».
وقال:«يريد الإسرائيلي فرض التوازن بيننا وبين مستوطنيه، الذين نزحوا عن المستعمرات في شمال فلسطين المحتلة، لذا يحاول تهجيرنا وابعادنا عن بلداتنا وارضنا، ولكن هذا لم ولن يتم، فنحن أصحاب الأرض وهم غرباء ومغتصبون وعدوانيون (...)».
ولفت سرور إلى «ان عملية اسر الجنود الاسرائيليين في العام 2006 تمت في خلة وردة في خراج البلدة»، معددا المواقع الإسرائيلية المقابلة للبلدة، وهي «الراهب» و«برانيت» و«مستعمرة شتولا» و«ضهر الجمل»، ما يسمى «رامية»، مشيرا إلى انها قريبة جدا من البلدة وتعتبر في خراجها، وهي مواقع تعتبر قتالية، ومحصنة ومجهزة كليا فوق الارض وتحت الارض، وعرضة بشكل دائم لضربات رجال المقاومة، التي تطلق قذائف مدفعيتها واسلحتها الرشاشة باتجاه البلدة في شكل دائم».
واكد ان اجزاء كبيرة من البلدة باتت مهدمة، وتصل إلى نصف المنازل، وان مسلسل التدمير مستمر يوميا، اذ ان الغارات تدمر احياء بكاملها، موضحا ان البلدة تضم اكثر من 6000 وحدة سكنية، «وهي تحظى بحماية رب العالمين ورجال المقاومة أبناء الجنوب».
وذكر سرور «ان الاضرار كبيرة بالقطاع الزراعي في البلدة، التي تعتمد على زراعة التبغ والزيتون، فضلا عن الخسائر الكبيرة التي لحقت بالاحراج ومشاريع الطاقة الشمسية من جراء الغارات والقصف المدفعي، فالطائرات الإسرائيلية تستهدف كل مقومات الحياة، من محطات المحروقات ومعصرة الزيتون والمدارس والمؤسسات والمتاجر وغيرها».
ولفت إلى «ان الدخول إلى البلدة خطر جدا، وان الاهالي لا يحضرون الا عند مراسم الدفن».
وأشار إلى «ان الحرب في العام 2006 تختلف عن حرب اليوم، فتلك الحرب شهدت عمليات قصف متواصل، واما اليوم فهناك تدمير ممنهج للمنازل من خلال الصواريخ الضخمة التي ترميها الطائرات الحربية الإسرائيلية».
كفر كلا
بلدة كفركلا (قضاء مرجعيون) الجريحة والنازف جرحها يوميا، هي بدورها عرضة بشكل كبير للعدوان الإسرائيلي، وهذا ما أكده رئيس البلدية المحامي حسن عيسى شيت.
وقال لـ«الأنباء»: «منذ بداية العدوان كانت كفركلا في طليعة البلدات التي تعرضت للقصف والغارات بشكل همجي، وأدى إلى نزوح عدد كبير من الأهالي إلى القرى والبلدات المجاورة وغيرها من المناطق البعيدة عن خط المواجهات، فضلا عن استهداف الاحياء السكنية فيها بشكل مستمر ليلا ونهارا بالقذائف المدفعية المباشرة والأسلحة الرشاشة من الموقع العسكرية الإسرائيلية، وموقع «مسكاف عام»، والتي كان حصيلتها حتى الساعة 10 ضحايا».
وأشار سرور إلى «ان البلدة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 6000 نسمة، غالبيتهم نزحوا بفعل الغارات والقصف المتواصل، ويقيم فيها حاليا فيها حوالي 5% من سكانها. ونقوم بمتابعة اوضاعهم وحاجاتهم من مياه وكهرباء وطعام، ولكن على رغم من كل ذلك يحضر الاهالي إلى منازلهم بشكل يومي للاطمئنان اليها واخذ ما تيسر».
وأكد ان «اهم عناصر مواجهة الإسرائيلي، هي قيامنا بنقل جثامين ابناء البلدة الذين يتوفون في اماكن نزوحهم إلى البلدة ودفنهم فيها تحت القصف. وهذا تحد كبير نوجهه للعدو لجهة ثباتنا في ارضنا، اذ يكون هناك مشاركة واسعة من ابناء البلدة في أي مأتم، فنحن نصر على نكون في البلدة إلى جانب أمواتنا واهلنا وابناء بلدتنا لا خارجها مهما كانت التحديات».
وتحدث شيت عن أهمية الموقع الجغرافي والإستراتيجي للبلدة، اذ لا تبعد عن الحدود الفلسطينية سوى أمتار قليلة، وهي مقابلة لمستوطنة المطلة، وتضم «بوابة فاطمة» وهي علم من اعلام التحرير في الجنوب في مايو من العام 2000»، لافتا إلى «ان المواقع العسكرية الإسرائيلية في المطلة تؤذي البلدة، بعد ان تحولت منازلها اهدافا للدبابات والمدفعية الثقيلة، بالاضافة إلى التمشيط المتواصل والاعتداءات من موقع «مسكاف عام» المقابل لبلدة العديسة، إلى الغارات بالطيران الحربي والمسيرات».
وأكد شيت «انه مهما اشتدت وتكثفت الغارات الإسرائيلية على البلدة، لن نترك ارضنا ومنازلنا وان دمرت بالكامل».
وقال: «ان الاجرام والقتل والتدمير والتهجير هي سمة من سمات العدو وليست غريبة عنه. نحن أصحاب الأرض ولن نتركها ابدا».
ولفت إلى «ان الإسرائيلي يلعب على وتر تهديد واشاعة الرعب والخوف لدى ابناء القرى الحدودية، لدفعهم إلى عدم التفكير بالعودة إلى قراهم بعد وقف اطلاق النار او تنفيذ اي هدنة»، مؤكدا «ان البلدة ستشهد اجتياحا واسعا للاهالي فور الاعلان عن وقف اطلاق النار، لاعادة اعمار ما تهدم والعيش في البلدة». وتحدث سرور عن تدمير 44 مبنى بشكل كامل في البلدة، التي تضم حوالي 110 وحدات سكنية، بالاضافة إلى اكثر من 250 منزلا متضررين بشكل متوسط.
ولفت إلى وجود تنسيق مع خلية الازمة في محافظة النبطية وقضاء مرجعيون، عبر جمعيات ومنظمات وجهات مانحة.
ونوه بدور وجهود مجلس الجنوب و«حزب الله» وحركة «امل» لوقوفهم إلى جانب الاهالي ومساعدتهم، «مع أصحاب الايادي البيضاء»، لافتا إلى ان «هذه الحرب تختلف عن سابقاتها، ولكن ستبقى كفركلا شوكة في عين الإسرائيلي، وسيتبقى قوة الردع المقاومة بوجه الاحتلال. نحن في ارضنا وهم جيش احتلال ومستوطنين ومغتصبين لاملاك الغير في فلسطين ولبنان».