سماح جمال
ما الخط الدرامي الفاصل بين مناقشة قضايا المجتمع وتشويهه، وهل هناك أعمال تتعمد مناقشة مثل هذه القضايا لإثارة الجدل من دون تقديم أي قيمة فنية حقيقية أم ماذا.. «الأنباء» استطلعت الآراء، وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، تحدث عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية د.خليفة الهاجري، فقال: تعتبر الفنون المرئية والمسموعة كالمسرح والسينما والدراما التلفزيونية، فنون مستحدثة وضيفة ـ ليست بثقيلة ـ على الثقافة العربية والكويتية المحلية، فهي فنون تم توطينها وتضمينها لإرثنا الثقافي عبر الرواد من خلال الفرق المسرحية والمؤسسات الأكاديمية الفنية والمؤسسات الحكومية المعنية بالثقافة ومؤسسات الإنتاج التجارية، ومن الخطورة أن يتم فهم الفنون المرئية والمسموعة بصورة مختلفة عن أهميتها الترفيهية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وأحيانا السياسية وقد يحيد بها البعض عن أهدافها السامية وليّ عنقها قسرا، وتحويلها إلى أدوات تخريب وتدمير لمحيطها الاجتماعي ـ بقصد او من دون قصد. وتابع: خصوصا إذا اقترن الأمر بالمال والكسب السريع الذي يغدق به الإنتاج الفني على الشركات المنتجة.
ومن المتعارف عليه أن كل عمل فني ـ سواء كان مسرحيا او سينمائيا او دراميا- يبدأ بشرارة النص المكتوب الذي يتحول بواسطة فريق فني إلى نص مرئي او مسموع. يتسلل إلى خشبات المسارح او شاشات السينما والتلفزيون، وأخطرها شاشات التلفزة التي تدخل بيوتنا بمحض إرادتنا، والتي تعرض لنا ذلك «الغث والسمين» من الإنتاج الدرامي والسينمائي او المسرحيات المتلفزة، ونعني «بالغث» هو ذلك الإنتاج الفني الذي يخضع بمحض إرادته إلى مؤثرات عدة، ومنها: المال وذائقة الشارع، وهنا نجد أن النص المكتوب والنص المرئي في شقه التنفيذي يذهب إلى البحث عن «الفرقعة» الإعلامية الفارغة التي تشعل الشارع العام عبر مشاهد خادشة للحياء أو مفردات هابطة تلبي طبيعة الفضول البشرية الهشة دون الالتفات إلى طبيعة المجتمع بعاداته وتقاليده وسلوكه الاجتماعي، أما ما نعنيه بالعمل الفني «السمين» هو ذلك العمل الفني الذي قد يناقش نفس القضايا بأنواعها التي يناقشها العمل الفني «الغث» لكن بالتزام واحترام لعقل وذائقة المتفرج، دون إسفاف او خدش لهوية المجتمع بعاداته وتقاليده المجتمعية، وبإصرار على تماسك التصوير والصورة والمحافظة على سلامة العمل من السقطات الساذجة ورصانة التمثيل وعمق المشهدية شكلا ومضمونا.
وأكمل: وهنا نحن لا نذهب إلى تقييد الحريات بل نذهب إلى احترام المهنة وتطويع أدواتها بصورة احترافية ومهنية، كالكاتب الذي يحترم حدوده بأن لا تتقاطع مع حريات الآخرين واحترام مساحاتهم الأخلاقية دون مس او خدش. أو المخرج الذي يدرك أدواته الإبداعية في تسخير الحلول الإخراجية التي يمتلكها في خلق عمل فني ملهم وذكي، أو ذلك الممثل الذي يطوع الصمت قبل الكلمة ويفهم السكون قبل الحركة، يسيطر على أدواته التمثيلية بوعي وإدراك للنص المكتوب والمرئي، هنا نستطيع أن نقول إننا أمام مكون ثقافي يعي أدواته ويمكن قواعده بثقة واقتدار.
أزمة كبيرة
المخرج أحمد الشطي، قال: الحقيقة لدينا أزمة كبيرة في فهم الفن ومراميه، لذا يتصور البعض هذه الخطوط الوهمية التي بالضرورة تختلف حدودها بين شخص وآخر، ولكن من لديه ذائقة فنية سليمة وإدراك جيد للدراما والفنون ومقاصدها لا يربط بين العمل الفني سواء أكان سينمائيا أو تلفزيونيا أو مسرحيا بصورة المجتمع.
وتابع: قد يقتبس الكاتب حالة أو حدثا أو نمطا من المجتمع لكنه بالضرورة لن يعرضه كما هو أو كما يريد أن يراه غالبية الجمهور سيضع افتراضيات جديدة يتخيلها هو لا الجمهور ومن خلالها يقدم عملا قد يكون رديئا أو جيدا، لكنه بالتأكيد لا ينقل صورة المجتمع حتى يجمله أو يشوهه، ويستثنى مما سبق الأعمال التوثيقية.
استغلال القضية
من جانبه، قال المخرج هاني النصار: هناك فرق كبير جدا بين طرح قضية تهم المجتمع ويعاني منها الكثير واستغلال هذه القضية لتشويه المجتمع لقصد ما، خاصة في الشاشة الصغيرة أي «التلفزيون» أو ما يطلق عليه حديثا «المنصات» التي تستقطب العديد من المشاهدين من مختلف شرائح المجتمع من الكبير إلى الصغير، ويمكن لطرح قضية ما أن تؤثر تأثيرا كبيرا في المتلقي سواء بالسلب أو الإيجاب.
وتابع: هنا يجب أن نتوخى الحذر في الوقوع في الخط الفاصل الذي ممكن أن يتسبب في تشويه المجتمع عندما يعمم ظاهرة ما بأنها آفة منتشرة في المجتمع كله وليس على فئة محدودة، هنا تأتي رقابة المؤلف الذاتية التي تحتم عليه أن يكتب بكل حذر عن أي مشكلة أو ظاهرة منتشرة في مجتمع ما.
طريقة ذكية
بينما قال المخرج عبدالعزيز صفر: لست ضد طرح أي قضية اجتماعية، ما عدا القضايا الحساسة جدا لا يجوز أن نتحدث فيها بصورة مباشرة، لأنه بمجرد الحديث عنها نزيدها وتصبح من الأمور العادية.
وتابع: من الممكن طرح القضية والابتعاد عن الأسلوب الفج بطريقة ذكية دون حرق أعصاب المشاهد.