تحولت الأنظار من سورية الى العراق ومن «داعش» الى الأكراد. ومع اقتراب موعد الاستفتاء الكردي في شمال العراق على الاستقلال والانفصال (والمحدد يوم الاثنين المقبل 25 الجاري) ترتفع درجة التوتر وحبس الأنفاس والانشداد الى هذا الحدث الكردي الذي يعد واحدا من أبرز الأحداث التي يشهدها العراق في السنوات العشر الأخيرة، ولعل الأسبوع الحالي الفاصل عن الاستفتاء سيكون أسبوعا طويلا حافلا بالضغوط والمفاجآت ويكتنفه «غموض كثيف» في ظل «قطب مخفية» وتساؤلات كثيرة مهمة تطرح هذه أبرزها:
1 ـ هل مازالت هناك إمكانية لالغاء الاستفتاء وتأجيله في ضوء الضغوط الهائلة التي تمارس على رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني من الجهتين الإيرانية والتركية بشكل خاص، ومن بغداد أيضا، ووسط تحذيرات دولية من العواقب والنتائج؟! وهل تنجح تسوية اللحظة الأخيرة ويصح رهان البعض على عدم حصول الاستفتاء واستخدامه كورقة تفاوض للحصول على وضع متقدم أكثر وعلى اتفاق أفضل مع بغداد؟! وإذا كان تأجيل الاستفتاء واردا وممكنا، ما الثمن الذي يطالب به الأكراد مقابل التوقف عن لعب «ورقة الانفصال»، والذي يريده البارزاني موازيا للاستفتاء والتراجع عنه مثل الحصول على ضمانات دولية بتحديد نتيجة النقاش في الأمم المتحدة حول وضع أكراد العراق وتحديد موعد جديد للاستفتاء، ومثل تعهد حكومة بغداد وإقرارها صراحة بحق الأكراد في تقرير المصير.
2 ـ ماذا عن مسعود البارزاني، هل هو قادر على المضي قدما في هذا الاستفتاء وتحدي إرادة إقليمية دولية؟! خصوصا أن حظوظ الاستقلال تبقى ضعيفة ومهددة من دون دعم القوى الإقليمية والدولية، وفي ظل غياب مقومات اقتصادية لدولة ليس لها منفذ على البحر ومقبلة على نزاعات ومواجهات وموجات عنف في إطار الصراع على كركوك، وهل البارزاني قادر على التراجع وطي صفحة الاستفتاء بعدما ذهب بعيدا في تعبئة الأكراد وفي التأكيد على إجراء الاستفتاء في موعده وعدم إضاعة فرصة ذهبية يصعب أن تتكرر؟! فأي تأجيل للاستفتاء من دون بديل ومكسب فعلي يعني ببساطة انهيار كل ما بناه البارزاني في مسيرته وزعامته، وسيخسر كل شيء وحتى تأييد الأكراد له وثقتهم بهم، وبين صعوبة التقدم والتراجع، هل يكون «المخرج» بتراجع جزئي وحل وسط يقضي بتأجيل الاستفتاء في كركوك والمناطق المتنازع عليها؟!
3 ـ الى أين يمكن أن تصل ردة الفعل العنيفة من جانب تركيا وإيران إذا ما أصر الأكراد على الاستفتاء الانفصالي رغم كل التحذيرات التي صدرت عن هاتين الدولتين الجارتين اللتين تحتويان على أعداد كبيرة من الأكراد وفي المناطق الحدودية المحاذية لكردستان العراق والمتصلة بها؟!
إيران هددت بإغلاق حدودها مع كردستان وإلغاء كل الاتفاقيات الموقعة معها وبدأت تروج عبر بغداد عن إسرائيل ثانية ستقوم في المنطقة، وتركيا ربطت الموضوع بأمنها القومي وتتحدث عن عواقب خطيرة وخطأ جسيم، ورغم هذه اللهجة التحذيرية العالية، لم تتراجع أربيل ولكنها مدعوة الى التفاعل بجدية والاستعداد لكل الاحتمالات السيئة من الآن فصاعدا.
4 ـ ماذا عن الموقف الأميركي الذي يبقى القطبة المخفية الأهم والعامل الأكثر تأثيرا في هذا الحدث الكردي العراقي؟! ظاهر الأمور والمؤشرات يدل على أن واشنطن تقر بما تسميه الطموحات المشروعة للأكراد لكنها تخشى أن يترك هذا الاستحقاق في هذا التوقيت بالذات آثارا سلبية على الحرب ضد «داعش»، وعلى علاقتها التحالفية مع تركيا.
وفي المقابل لا يمكن لواشنطن الذهاب بعيدا في الضغط على الإقليم الكردي حليفها الرئيسي وشريكها المضمون في الحرب على «داعش»، وليس لها سوى الحصان الكردي المخلص للاعتماد عليه في العراق وسورية.
الولايات المتحدة تبقي اعتراضها في إطار التوقيت والأولويات الراهنة، وتحاول إمساك العصا من وسطها والحفاظ على دور الوسيط والراعي للحوار بين بغداد وأربيل، فهل هذا الحوار فات أوانه وتجاوزته الأحداث، أم مازال ممكنا احتواؤه من خلال مفاوضات ربع الساعة الأخير، بأن يعطى الأكراد تعهدات ومكاسب مقابل تأجيل الاستفتاء؟!