العدالة طموح كل إنسان، وضرورة من ضرورات الحياة، وهي الأساس لانتظام سلسة المبادئ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تخلق مجتمعا متقدما ومتطورا، بل لكي يستطيع الانسان ان يمارس دوره في الحياه فإنه يحتاج إلى بيئة تسودها الحرية والعدالة ويصونها القانون والذي يرسخ قواعد ودعائم الحياة الطيبة، واذا ما واجهنا مفاضلة تستدعي موقفا واضحا ليبين ما له الأولوية من المبادئ فإن العدالة ستكون هي أول ما سيفزع اليها الإنسان لأنها توفر الحماية والأمان له، بل كلنا نتفق على سيادة العدل على سائر القيم والمبادئ الاجتماعية وأنها توفر الجو المناسب للتواصل الانساني وتحقق الازدهار، وأن بيئة العدل هي مفتاح الكمال والتفوق في الدين والدنيا ولذلك كان وجود العدالة ضروريا كوجود الماء والهواء، ومن هنا جاءت أهمية قياس كمية العدالة الموجودة بيننا.
أقول ذلك بمناسبة ما يقوم به بعض أعضاء المجلس من أمور من شأنها هدم القانون والعدالة واستخدام الضغط السياسي لتشريع ما يخل بمبادئ العدل والمساواة في تطبيق القانون وهذا شأن عجيب اذ أن التشريع يجب أن يكون عنوانا للعدالة والمساواة والانصاف واحترام القوانين التي تؤكد هذه المبادئ وترسخها، أما أن يتلاعب البعض باسم «الحريات» ليحمي بعض من يستحق العقاب بدعوى ان الخلاف سياسي فإنه لا يقبل ابدا إذ أن من شأن الخلاف السياسي ان يزيد العبث بالقوانين، ينبغي علينا أن نحترم الأحكام القضائية كيفما جاءت، أما الالتفاف عليها بما يسميه البعض «المصالحة الوطنية» فإنه غير سليم البتة لأن المصالحة لا تكون الا وفقا لمبادئ العدالة ويلزم منها فتح ملفات واسعة وشائكة، وضرر هذه الخطوة أكبر من نفعها لاسيما على نظام الدولة برمته ولذلك لابد من البحث عن حلول أخرى لا تكسر القانون ولا تهدر الحقوق والمراكز القانونية المستقرة.
لقد كان اقتحام مجلس الأمة جريمة لا تغتفر قد تسببت في تكريس الضعف في الممارسات السياسية من قبل الحكومة والمجلس وأحدثت شرخا كبيرا في المجتمع، فالمواطن يرغب في العيش بإنصاف وحسن معاملة ومساواة ولا ريب أن مقومات العدل تقتضي التوازن في المعاملة الشعورية الاجتماعية فالحب والبغض لابد أن يتأسسا على قاعدة العدل والإنصاف والتواصل، كما أن التعسف والظلم والقهر أساس الشر ودمار الإنسانية والمجتمعات.
لا يصح أن نختلف في أن ما حدث يوم الأربعاء الأسود كان خطيئة كبرى في حق المجتمع الكويتي وفى تاريخ الديموقراطية الكويتية كما لا يجوز لنا أن نروج لهذا الفعل على أنه ممارسة للحرية والإصلاح السياسي لكن لابد لنا أن نتجاوز هذا الأمر باحترام القانون وتطبيقه بالشكل الصحيح وتحسين العلاقة بين المجلس والحكومة لتوفير جميع استحقاقات المواطن الكويتي وفقا لتوجيهات صاحب السمو.