عندما يهل هلال محرم تتوهج أنوار الحرية وتتسع الأرواح وتستنير البصائر لتشهد عن قرب كل ما حولها وينكشف كل شيء على حقيقته ويتناسق المشهد ليتميز كل شيء بلونه الخاص وتتجلى اللحظات التاريخية الأصلية.
إنها الدماء الزاكيات في عاشوراء التي فضحت الظالمين وأنارت قلوب الأحرار بالعطاء المتوهج بنور الأمل والممزوج بالتضحية والفداء.
وقف الإمام الحسين بن علي أمام العالم بأسره ناشرا ضياءه لينفث في الروح أنوارا من المعرفة التي يتحول بها الإنسان إلى (كلمة) وما أعظم الكلمة، لقد كان المسيح كلمة فكان من أصفياء الله الذين تفانوا في سبيل نصرة الحق.
وكذلك الحسين كان كلمة إذ كان مفتاح الصلاح وسر التحول الذي هو مقام عظيم إذ إن التحول هو تطور روحي يلهم الإنسان هدفا عظيما يحيا لتحقيقه رغم ما يحيط بهذا الهدف من أخطار جسيمة، ولقد كان هدف الإمام الحسين إحياء المجتمع الذي فقد الإحساس بالقيم النبيلة والكلمة الجريئة، لذا كانت مسيرته كلها نحو إنقاذ الأرواح التي تخلت عن إيمانها في سبيل دنيا زائلة.
لقد كان الحسين المعلم الأول للإباء والنبل الإنساني وقد علمنا أن (الله) هو معيار الاختيار في كل شؤون الحياة، فلقد قال عليه السلام: «من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس»، كما أنه عليه السلام قد علمنا أن «دراسة العلم لقاح المعرفة»، فالعلم لا يتحقق إلا بالبحث والنقد الموضوعي الذي هو أساس تقدم الفرد والمجتمع معا.
لقد كان الحسين رجلا من رجالات الحكمة وقد أكد أن «طول التجارب زيادة في العقل»، فعلى الإنسان أن يختبر الحياة بتكريس العلاقات الاجتماعية وفهم المواقف الإنسانية بدوافعها وأسبابها فان هذه التجارب تزيد في الحكمة وتنير فكر الإنسان وتساعد على ازدهار الحياة.
لقد كان الحسين هو كلمة الوصول إلى لقاء الحق، ولقد كره الباطل لأنه روح خلقت بالحق ومن الحق وإلى الحق، لذا قال كلمته المشهورة «إني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما».