العدالة هي طموح كل إنسان وضرورة من ضرورات الحياة اذ انها هي الأساس لانتظام سلسة النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تؤسس لمجتمع متقدم ومتطور، ولا شك أن العدل هو القيمة الجامعة المانعة التي من خلالها يقدر الإنسان على النهوض بذاته ويستطيع المجتمع أيضا ترسيخ دعائم الحياة الطيبة التي يريدها الله في الكون، ولذلك يؤكد القرآن الكريم على العدل وسيادته على سائر القيم والمفاهيم ويعتبره الوسيلة الأساسية، وقد أكد سبحانه على ذلك إذ يقول: (اعدلوا هو أقرب للتقوى) وضرورة نشر العدل في كل جوانب حياة الإنسان مضافا الى ترسيخ دعائم الإحسان الذي هو سمو الذات من خلال سمو الأهداف وجمال الأفعال وتقوية أواصر القربى الذي هو التواصل الإنساني في أبهى صورة وأجلاها.
وهذا يؤكد أن العدل هو مفتاح الكمال والتفوق وهي ترتبط بالاختيار الإنساني في كل جوانب الحياة لكي يصان الإنسان من أي انحراف أو تقاعس عن تحقيق هذا الامتياز الإلهي للإنسان.
إن العدل ركن أساسي من أركان وجود الإنسان في بعده الروحي والمادي ومقوماته كثيرة من أهمها التوازن في قضايا الحياة، فالحب والبغض لا بد أن يتأسسا على قاعدة العدل والإحسان والتواصل، كما أن الفحشاء والمنكر والبغي أساس الشر وعلة دمار الإنسانية، ولا شك أن حركة الفعل الإنساني تنبع من أعماق الروح وتتجاذبها مبادئ متخاصمة وتكون الغلبة لمبادئ دون غيرها وفقا لما يفرضه الوعي القيمي لدى الإنسان.
ان أرواحنا هي المسرح الذي نشهد عليه فصول التحدي الإلهي لقوى الشر، ومن أجل ذلك كان من المهم جدا تنويرها بكل وسائل الهداية التي تدعو الى تنوير الروح وردع الظلام لقد علمنا الله سبحانه أن نحب الخير وجوامعه، كما علمنا أن نكره فالكراهية ليست جريمة ما دامت تتوجه الى ما يستحق الكره، فإننا نكره كل ظالم ونكره الشهوات ونكره القهر والقسر والمنكر والفحشاء والقتل وسائر الرذائل، بل يجب علينا أن نكره كل ما يضعف روح الإنسان ويطغي غرائزه الحيوانية، اننا نكره كل ما يلغي نور العقل ويكسر الإرادة الحرة، كما أن الله يكره لنا أن نكون منافقين نتودد للظالمين ويكره لنا أن نكون ممن يأكل الحرام ويكره لنا أن نحب الكفر والفسوق والعصيان ويكره لنا أن نقتر على أنفسنا ونقصر في البذل والعطاء، لقد أرشدنا سبحانه الى الحب والمودة ونهانا عن الشحناء والعلاقات الاجتماعية السلبية، ويجب علينا أن نبذل الجهد لنشر نور الله سبحانه الذي لا يكون الا عبر تناغم الكون والانسان فإن نشر النور يحتاج الى سعة الأفق ورحابة الروح والشجاعة، وبصائر القرآن تؤكد أن النور لا يكون الا بالعدل الذي هو إحياء للإرادة الإنسانية الحرة والدعوة الى المؤاخاة والحب والتواصل والتي هي من أهم مقومات بناء الأمة الناجحة.