هناك فرق بين رؤيتين تجسدتا في القدس بالماضي القريب، فمنهم من يرى أن القدس قضية يقتصر أمرها على فلسطين، بل هي قضية فلسطينية بحتة.
هذه الرؤية في تحجيم قضية القدس أو التقليل من شأنها لم تحدث إلا بعدما كان البعض قد ألبسها رداء عربيا وتحدث عنها كأنها قضية عربية تخص العرب دون غيرهم.
ولا ضير البتة إذا كان الهدف من ذلك ارتكاز العمل العربي على تلك القضية، لتكون الجهود كلها منصبة على معالجتها وتطهيرها من دنس المعتدين، لكن سعيهم في تعريب القضية أدى إلى ثني الآخرين وتقاعسهم عن التفكير فيها وأن يدلوا بدلوهم للمشاركة في إنقاذ هذه البقعة المباركة.
ومن ذلك المنطلق تقلصت قضية القدس من حجمها وصغرت شيئا فشيئا إن لم نقل استصغرت، وتحولت من قضية عربية إلى قضية فلسطينية ومنها إلى قضية أصغر منها، فتصغيرها وتقزيمها دفع من تسول له نفسه أن يتوهم أن القدس لقمة سائغة يمكن التلاعب بها وابتلاعها.
لكنها في الطرف الآخر تبلورت رؤية أخرى تنطوي على تعظيم القضية وتضخيمها لترفع من شأنها وتوسع في مساحتها لتنحدر القدس من قطعة أرض فلسطينية أو عربية وتتحول إلى قضية إسلامية ليشارك العالم الإسلامي بأسره في همها وغمها ويجند كل طاقاته وعواطفه وإمكاناته لها ولترتوي شجرة الزيتون المقدسة من مناهل إسلامية عذبة ويرى كل مسلم ومسلمة أن أمرها أمره وشأنها شأنه وتنبض لها قلوبهم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في تعظيم المسجد الأقصى باعتباره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
إن هذه الرؤية لم تقف في حدها بل ذهبت إلى أبعد منها لترى أن القدس قضية إنسانية تهز مشاعر الإنسان أينما كان، بصرف النظر عن دينه وقوميته وعقيدته، فهناك شعب تعرض للظلم والتشريد والتهجير وبلد محتل وأرض مستباحة يعيش أهلها في الشتات، وقبله هي مهبط الأنبياء وبوابة العروج إلى السماء تندرس بيد نظام غاصب لقيط وكيان متغطرس غير مشروع.
هذه الرؤية تجد ان القدس قضية عالمية لا تقبل التقزيم والتحجيم حتى تكون سهلة الابتلاع والابتياع ولا يستهان بها حتى تكون عرضة للاقتلاع.
وأما اليوم وبعد نكبة القرار الجاحد لتهويدها، فنحن نستشعر بقوة غلبة وتفوق رؤية التعظيم على التحجيم، ونجد كل ضمير حي يحاكي هذا الأمر ويتفاعل معه ويرى ان القدس أمرها عالمي كما كان يومها عالميا وأنها ليست قضية فلسطينية بحتة فحسب، بل عربية وإسلامية وإنسانية.
كما أن مصيرها لا ينحصر بالحكومات فقط لكونها قضية دولية بل تمس وترتبط بوجدان الشعوب الحرة أيضا لكونها قضية عالمية، وكما أن أمرها لا يقتصر على يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كما أعلنه المغفور له الإمام الخميني رحمه الله عليه باعتباره من ليالي القدر المباركة بل إنها تتجاوز وتطوي مسافات بعيدة لتختزل الزمان والمكان وتتحرر يوما ليس ببعيد.