لعل أكثر كائن يثير العطف والشفقة هو الطفل، إنسان لا حول له ولا قوة، لذا كانت الأم والأب رحمة من الله له كي يفردا عليه جناحيهما فيسري في كيانه وعروقه دفء الأمان والاطمئنان لينمو ويغدو شخصا قادرا على التعامل مع بيئته متزن الفكر مستقر النفس.
وحين يفقد الطفل أحد أبويه أو كليهما قد يسخر له الله من يعوضه عنهما ويتعهد بتنشئته حتى يشتد عوده.
ولكن ماذا لو لم يتأت له ذلك؟ كيف يعيش وما هو مصيره؟
هذه مقدمة لقضية إنسانية صعبة لم تجد ما تستحق من تغطية إعلامية ولم تحرك ضمائر مسؤولي الدولة تجاهها للاهتمام بها والتعجيل بحلها.
هي مشكلة الأطفال المنسيين في مستشفيات الكويت، لا أعني الأطفال مجهولي الوالدين، فهؤلاء سنت لهم الدولة قانونا واضحا يقضي بإيوائهم في دار رعاية الطفولة والتكفل بشؤون حياتهم، وهذا ما تشكر عليه حكومتنا، إنما أقصد هنا أطفالا معلومي الوالدين، رموهم في المستشفى وهربوا خارج الكويت أو تم إبعادهم عن البلاد بحكم محكمة إثر قضايا مرفوعة ضدهم.
وهنا المشكلة، فالطفل معروف أبواه، لذا ترفض وزارة الشؤون تسلمه وإيداعه دار رعاية الطفولة أسوة بأقرانه مجهولي الوالدين.
والمسؤول عنهم هي وزارة الصحة وهي ترفض بدورها إخراجهم من المستشفى بسبب تلك القضايا المرفوعة ضد ذويهم، وهذه القضايا تدخل فيها وزارة الداخلية كطرف ثالث في المشكلة.
إذن هؤلاء الأطفال المساكين يتشاطر مسؤوليتهم ثلاثة وزراء في الدولة لم يبادر أحدهم حتى اليوم باتخاذ خطوة إنسانية قبل أن تكون قانونية لحل مشكلة هؤلاء الأطفال ونقلهم من عهدة وزارة الصحة إلى وزارة الشؤون ليقيموا في دار رعاية الطفولة حتى تبت وزارة الداخلية في مصيرهم.
فمن غير المقبول إنسانيا ولا أخلاقيا ولا أمنيا أن تترك طفلة بريئة من هذه الفئة المنسية وهي في الثالثة من عمرها تتجول وحدها بين ممرات المستشفى بلا حراسة أو رقابة، متعرضة لاعتداء محتمل من ذوي النفوس المريضة أو الرغبات الشيطانية لو وقع مكروه لتلك الطفلة فمن يتحمل المسؤولية؟ هل تقبل ضمائرنا بمثل هذه المواقف وتبعاتها؟
إحدى السيدات الكويتيات الكريمات استطاعت بطريقة ما احتضان طفلة منهم، لكنها واجهت الكثير من الصعاب والعوائق بسبب عدم وجود أوراق رسمية للطفلة، ما منعها من القدرة على اصطحابها معها في السفر أو علاجها في المستشفيات أو إدخالها المدارس.
وزارة الشؤون هي في رأيي المسؤول الأول عن هؤلاء الأطفال، وينبغي لها أن تخصص لهم مكانا لإيوائهم ورعايتهم حتى تحل قضيتهم.
هم يستحقون مكانا ثابتا يستقرون فيه ليتلقوا الرعاية اللازمة ويمارسوا طفولتهم بأمان، فالمستشفيات ليست المكان الصالح لحياة طفل أبدا.
مناشدتي هنا لمجلس الوزراء الذي يعتبر مظلة تندرج تحتها وزارات الدولة عامة والوزارات الثلاث المعنية بالشأن خاصة، أن يتحرك بعجالة لحل قضية هؤلاء الأطفال المنسيين وصون براءتهم قبل أن تنتهك، على الأقل كي يصدق العالم أننا في بلد الإنسانية.
[email protected]