كثيرة هي تلك الأمور التي لا يد لنا فيها، كـ (أصولنا، جذورنا، بلدتنا، بيئتنا، آبائنا، أمهاتنا، أشقائنا، أقاربنا، وحتى جيناتنا، فهي كتاب أودعه الله فينا).
وكثيرون هم من فتحت أعينهم على هذه الدنيا، دون أب وأم، دون أخ وأخت، لا أرحام، لا أقارب، لا أنساب لهم، بسبب ذنب ليس بذنبهم، ذكرهم الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز فقال: (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم)، فواجب علينا احترامهم، لا أن نشمت بهم، ونطعن في شرفهم وأخلاقهم، لأن الأخلاق ليست حكرا على فئة معينة من البشر.
وأقرب دليل هو ما نراه من بعض الذين ينحدرون من عوائل مرموقة، ذات حسب ونسب، وأصحاب مناصب كبيرة، وكفاءات عالية، لكنهم في المقابل مجردون من جميع الأخلاق والقيم والسلوكيات والفضائل، هذا بخلاف عقولهم الحذائية (أجلكم الله)، التي لا تحمل سوى الفكر الرخيص.
وقد يكونون العكس، لكنهم رائعو الصيت والسمعة والأخلاق.
فبشكل عام، هي ليست قاعدة حتمية، لأنها خاضعة لإدراك الإنسان وتصرفاته، وما يحمله في ذاته، كتسلسل مفاهيمه ومنطقياته.
أي إن كنت أنت من تلك الفئة، أو كنت من الفئة الأخرى، عليك أن تدرك أنك وحدك من تجعل الناس يوقرونك، ووحدك من تجعلهم يهينوك.
وإذا أهانوك، عليك أن تتيقن أنه (لا دخان بلا نار)، ومن دون أدنى شك، هم لم يهينوك، إلا لأن أنفسهم مثقلة بأضعاف مضاعفة من جراء تصرفاتك تجاههم.
فراجع نفسك، ولا تعمّق شعورك بتفاهة الجهل والحماقة، دون الاكتراث بردود الأفعال، كي لا تغرق في بلاء وخيم.
وإن كانت هناك أمورا لا يد لنا فيها، فبإمكاننا زخرفتها بأمور أخرى كثيرة، كالسماحة في التعامل والرقي في الحوار، كسعة الصدر والاحترام، كالتواضع وحب الخير للغير، بإمكاننا تزيينها بالابتعاد عن تسلطنا وأنانيتنا، وتجميلها بتثمين كلامنا ومخارج ألفاظنا.
فهكذا نستطيع فرض احترامنا، أغنياء كنا أو فقراء بسطاء، أصحاب شهادات دنيا أو مديرين، في كنف عائلتنا عشنا، أو في كنف دور لليتامى واللقطاء، أمراء ذوو أصل وفصل أو غرباء.
فهذا سالم بن عتبة، لا يعرف من أبوه، إلا أن ذلك لم ينقص من قدره شيئا، ويكفيه شرفا، أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ذكره في حديثه قائلا:
«خذوا القرآن من أربعة» وكان من بين الأربعة، سالم بن عتبة، كما ذكره أيضا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند موته، وقال «لو كان سالم حيا لوليته».