دوما يتعرض سائق المركبة لمخالفات مرورية يدفعها، وهو يعرف انه سيكرر ذلك، يبدو هذه الأيام ان من عرف العقوبة أساء الأدب، فحين يتعود الإنسان على نفس التصرفات ستشكل تلقائيا برودة أعصاب، مثل من يضرب سيشعر بالذنب في البداية، ولو غرق في هذه المشاعر ولم يواجها فلن يشعر بالراحة بعد ذلك حتى يفرغ غضبه في إيذاء الآخر.
تجاوزات في طابور الانتظار، الكل يعرف انه ما وضع الا لتنظيم أي انفلات، لكن يصر بعضهم على ان يعطي مقابلا ليضبط أموره، مع انه يدرك انها رشوة، لكنه يخترع له فتوى ما دامت تصب في مصلحته، فكل شيء جائز، عنده الضرورات تبيح المحظورات، ولو تبادل الأدوار مع الآخر سيكون شديد العقاب لاذعا في الردع، موال القيم والأخلاق يصبح أسطوانته ليل نهار.
تعلمت ان الأخلاق لا تجزأ ولا تقام على مشاعر خوف أو ذنب، فهكذا يصبح الإنسان يجتنب الشيء، وعينه فيه، لن يتذوق الأثر لما يمتنع عنه، بل سيكون بركانا، وما يصدق ينفجر، أمام اختبارات الحياة.
لابد ان يكون الرادع أساسه اقتناع وليس دائرة من الأعراف ندور معها ولا نعرف أولها من أخرها.
أصبح ما يجمعنا ما هو الا حقائق، كبرت معنا، قد تكون مهزوزة أمام مغريات الحياة، وقد تكون خالية من أي تهذيب معتمدة على المحاكاة أو التقليد، ليس لها أي تأثير سوى اننا نسخناها ولصقناها في وعينا، وهذا ما وجدنا عليه نفسنا.
وجه ثان:
حين لا نكذب، لأننا نخاف من النار، سنحترق بأي كذبة بيضاء، سنمرر الكثير من السلوكيات التي تكون أشد وقعا من الكذب، كل شيء يبدأ بكلمة عادي سينتهي بمن ينادي بعد فوات الأوان.
الكل في خلاف، وآراء متفاوتة، وإذا سألت أحدهم ما جديدك يا فلان لوجدت فراغا وفضاء من اللاقرار، فهمنا تبني الرأي بشكل سلبي، فلم تعد تحركنا حقيقة بل تغريدة.
مفهوم فعل الصحيح، لابد ان يكون نابعا من قناعة فيك، والا ستفعله شكليا وأي ريح تهب قد تهز فروعه لأن الأساس مفقود.
وقد تنتفخ أمام خطأ الآخرين، وتشير إليهم بأصابع اتهام لأنك تفعل الصح منذ الصغر، وربما فعلته من الاتباع والتقليد أو التعود كما وجدنا أنفسنا عليه ولكنك ستعود وتجد انه يتوسطك دوما سؤال كحلقة، مفقودة، رغبة في أن تكون في الصورة، لا تعرف ان كانت ستفعل الخطأ، لو سنحت لك الفرصة، وما هو مخزونك المحافظ، هل تلقيته بالعقاب أو التعليم، هل تنتهجه كطريق أم تتبعه وانت مغيب عن المنافع فيه.
كقرص العقيلي يدور في نفس الإطار، باحثا عن بدايته، في منتهاه، تتوسطه حلقة فارغة مفروغ أمرها، ليس لها أي خط انتاج، ربما لأنها وجدت نفسها محاطة بكلمة لا من جميع الجهات، ليس لها أي فسحة لتختبر نفسها وتخرج من شكلها المعتاد.
عزيزي القارئ النهم:
التعود لم يكن يوما مكان الوازع لأنه نمطي لا يعرف جلدا غير جلده، لذلك يظل بحدوده خوفا من وجوده، كلما كنت تفعل لأنك تعرف ستحسن التصرف، ستبني أساسا متينا من الوقاية الصحية وتشكيل نفسك خارج صندوق التوقعات لأنك ستكون ذاتك في جميع الأحوال.
Twitter @Dr_ghaziotaibi