توقعات هنا وأخرى هناك حول الرد الإيراني المتوقع على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ومجموعته، وللكتابة عن هذا الموضوع يجب أن نضع عددا من الاعتبارات في الذهن قبل الدخول إلى الفعل وردة الفعل المتوقعة.
ولعل من أهم هذه الاعتبارات أن المنطقة الخضراء في بغداد منطقة توافق أميركي - إيراني، وكل ما يحدث داخل هذه المنطقة تحت سيطرة الطرفين، ولذلك فإن وصول الحشود المنظمة إلى محيط السفارة الأميركية جاء بعلم الجانب الإيراني وبتنسيق مع الجانب العراقي، ولعل الدافع الأول لهذه الخطوة لفت الانتباه إلى وجود خطر حقيقي يهدد الولايات المتحدة وبالتالي تهميش التحركات الأخرى الموجودة خارج المنطقة الخضراء والتي استطاعت إسقاط الحكومة وإعلان الرئيس العراقي استعداده للاستقالة بعد أن دفع هؤلاء المتظاهرون آلاف القتلى والجرحى مقابل مظاهرات محدودة وصلت إلى السفارة الأميركية دون قتلى وجرحى وبسهولة متناهية بتصور محدود من أصحاب الفكرة أن في ذلك الحل السحري لما يحدث خارج المنطقة الخضراء من خلال تدخل أميركي يحمي سفارتها ووقف المظاهرات، إلا أن العقلية الأميركية كانت بعيدة كل البعد عن ذلك بعد أن وصلت النيران إلى سفارتها بأيادٍ تشاركها العمل في منطقة الأمان، ليكون الرد الأميركي برسالة أكثر حزما وإيلاما من خلال استهداف الأشخاص الذين قد يكون لهم القرار في مثل هذه الأحداث ولقطع الطريق أمام أي قرارات أخرى مشابهة.
لذلك قرر الرئيس الأميركي ترامب قتل سليماني والمهندس ليحقق أكثر من هدف داخليا وخارجيا ويعزز بذلك حظوظه في الفوز بالانتخابات المقبلة وإعادة ترتيب العلاقات داخل العراق وهو ما حصل بالفعل.
لتبدأ التكهنات حول رد الفعل الإيراني، وهنا يمكن الجزم بأن الإيرانيين لن يقدموا على المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة لأسباب من أهمها ما يسمى بقوة الردع والتي يدرك الإيرانيون قبل غيرهم قوتها إذا ما استخدمت للرد على أي استهداف إيراني للأميركان، وهنا سيعمل الإيرانيون على الرد بطريقتهم المعهودة وهي تحريك أدواتها وأذرعها في المنطقة لضرب المصالح الأميركية وربما أهداف أميركية محدودة، وهو الأمر الذي قد تغض الولايات المتحدة الطرف عنه لتجاوز هذه المرحلة وبالتالي فإن الاستهداف المباشر للولايات الأميركية يُنتفى.
وعلى المستوى السياسي ستجد إيران في هذه الأحداث فرصة للمناورة من جديد حول برنامجها النووي لإحراج الولايات المتحدة أمام المجتمع الدولي وهو الأمر الذي لا يعني لواشنطن شيئا بعد انسحابها من الاتفاقية الأخيرة وبقاء الدول الأوروبية.
وبالعودة إلى الداخل العراقي يجد العراقيون أنفسهم بين مطرقة الولايات الأميركية وسندان إيران، ونتيجة لذلك جاء قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الأميركية من العراق والذي يدرك العراقيون قبل غيرهم أن في ذلك خسارة للحكومة وللبرلمان نفسه في ظل عدم قدرة الجيش العراقي على السيطرة على الأوضاع، وسيكون مصير البرلمان مشابهاً لمصير الحكومة، ولن يستطيع عقد جلسته الأولى في حال خروج القوات الأميركية.
وهو ما يجعل مثل هذا الأمر للاستهلاك الإعلامي اكثر منه إلى الرغبة الحقيقية للعراقيين في المنطقة الخضراء.
وفي الختام نستطيع القول إن إيران لن تستهدف الولايات الأميركية بشكل مباشر وأن البرلمان العراقي لن يخرج القوات الأميركية وستبقى الأمور مناورة هنا وأخرى هناك.. هذا ودمتم.
[email protected]