أصبحنا الآن في عصر الإعلام الذي يخاطب العقول بالحقائق والمنطق تأكيدا للحق في المعرفة، ومن ثم أصبح الناطق الرسمي بأي مؤسسة دولية أو إقليمية أو وطنية عليه مسؤوليات محددة ودقيقة لأنه ينقل الأخبار والحقائق في الوقت المناسب وبصورة رسائل إعلامية موضوعية، ولم نسمع أو نقرأ من الناطق الرسمي للأمم المتحدة أو المتحدث الرسمي للبيت الأبيض أن بدأ حديثه بأنه «بناء على توجيهات المدير أو الرئيس أو الأمين العام» وهو ما يختلف تماما عن الأسلوب الذي يتبعه الكثير من متحدثينا الرسميين الذين يصرون على أن تكون تصريحاتهم دائما بصورة توجيهات أو أوامر أو تعليمات الوزير أو المسؤول، وهكذا فقد تحول الإعلام الرسمي إلى أداة للإعلان عن توجيهات المسؤول ووسيلة للتسويق له مع إضافة ما يشير إلى حرص المسؤول أو توجهه أو مبادرته. وفي اعتقادي أن تحويل الإعلام الرسمي إلى إعلان عن المسؤول يفقد الإعلام مصداقيته ويبعده عن مسؤولياته ودوره التنموي، وأتمنى ممن يريدون الإعلان والتسويق لأي مسؤول أن ينشروا إعلانات مدفوعة الأجر ويتكفلون بها من جيوبهم الخاصة، لأن الإعلام الرسمي يجب المحافظة على مكانته ومصداقيته. وأتمنى لأي مسؤول إذا اكتشف أن الإعلام الرسمي أصبح إعلانا عنه وتسويقا له أن يوقف بشجاعة مثل تلك الممارسات الغريبة على مجتمعنا وثقافتنا بالرغم من أنها كانت سائدة في العديد من دول المنطقة التي اعتاد المجتمع فيها على تمجيد المسؤول بإسراف وصل إلى حد الابتذال والاسفاف الرخيص لكل من يشارك في تلك الممارسات الهزلية التي لا تليق بإعلامنا الرسمي الذي يعكس قيم وأخلاق المجتمع والتي ليس من بينها النفاق الرخيص. إن هذا الإعلام الرخيص لا يحتاج إليه المواطن، ولكن ما يحتاج إليه هو الحقائق والمصداقية، خاصة ونحن في زمن ارتفع فيه مستوى الوعي الاجتماعي، وتطورت به وسائل التواصل الاجتماعي مما أدى إلى اكتشاف المواطن الحقائق حتى وإن تم تزييفها. ومن الأفضل أن نحافظ على مستوى الإعلام الحقيقي الصادق ونبتعد عن التسويق للبعض، لأن ذلك يضعف الخبر الإعلامي وحتى إن كان يعكس الحقيقة.