في أعلى الجرف المطل على الوادي نسر عظيم، ذو جناحين تجاوزا المترين طولا، وقوائم عريضة وصدر بارز وعين شريرة الملامح..
فقست الفراخ باكرا هذا الصيف، لا بد من البحث عن الغذاء المناسب..
بين السنابل تتمشى أنثى الحجل متباهية، مسرورة بفراخها، رافعة صدرها مزهوة بجمالها، لا مبالية بالخطر المحدق..
اشتد الصراخ، وهبت رياح عظيمة، ثم فُقد أحد الفراخ.. يا ويلي ويا حسرتي.. تنتحب أنثى الحجل قليلا ثم تقرر اكتشاف الأمر، ريح عظيمة أخرى.. وفقدت الفراخ جميعا..
رفعت رأسها عاليا لترى مخالب النسر مغروزة في أجساد فراخها الصغار..
أقامت الحجلة مراسم الحزن خلال بضع لحظات، وأصرت على الانتقام..
يطعم النسر صغاره، ويقف على حافة العش محذرا أي عدو من الاقتراب...
صعدت الحجلة الى أعلى الجرف، استغرق الأمر يومين كاملين، انتظرت حتى طار النسر الى الصيد..
اقتربت من العش، رأت بقايا فراخها، بكت ثم باشرت بالحديث الى الفراخ..
من أنت..؟ يقول أحد الفراخ:
أنا خالتكم ونسيبتكم، ادعى الحجل، انظروا منقاري يشبه مناقيركم وجسدي يكسوه الريش مثلكم، حتى ان لي قائمتين أيضا..
قال الأوسط: لكنك لا تطيرين!
قالت: لو لم أطر اليكم فكيف وصلت اذا..؟
صدق الفرخان الكلام، لكن أصغرهم قال: ما إثباتك..؟ طيري أمامنا الآن!
هذه فرصتي اذا، قالت الحجلة في نفسها..
ثم أجابت: أطير لكن بشرط ان نطير جميعنا معا..
لكننا لا نستطيع الطيران.. يجيب..
قالت: أنتم نسور عظماء وهذا الزغب على أجسادكم دليل العظمة والقوة، تستطيعون الطيران منذ اليوم الأول..
رفعت الفراخ رؤوسها وفرحت ثم قبلت الشرط..
وقف الجميع على حافة العش، وانطلقت في الهواء ليلتهمها الوادي العميق...
وصل النسر متأخرا، فرأى فراخه موتى في قعر الوادي وبجانبهم الأم المفجوعة..
بكى ثم بكى ثم وقع من أعلى الجرف صريعا..