تسود بين الناس عبارات مغلوطة يتداولونها دون تبصر في معانيها وما تنطوي عليه من نتائج سلبية تخدش كرامات بعض الناس أو تسيء إلى نفسياتهم.
ومنها هذه العبارة الصادمة والتي لكثرة انتشارها غدت وكأنها حكمة ترفع رأس قائلها وهي عبارة «يقول للأعور أعور بعينه»!
بالطبع فإن المقصود بالعبارة هو الثناء على شجاعة الشخص المقصود ووضوحه ومباشرته وعدم نفاقه، لكن لابد من النظر للعبارة وما تنطوي عليه من قسوة وحدية، من جانب آخر وهو الجانب الإنساني والنفسي لنرى كم هي قاسية وبشعة ومؤذية.
ماذا يعني أن أقول للأعور أنت أعور أو للأعرج أنت أعرج أو للأعمى أنت أعمى، أو أعيب ذا العاهة بعاهته وكأنما هو من اختارها لنفسه.
بالتأكيد العبارة لا تؤخذ بمعناها الحرفي بل بالمعنى الدلالي لها، أي أن القصد منها ليس البحث عن الأعور لتقول له أنت أعور فتصبح بطلا، ولكن القصد منها عدم المداهنة وعدم مسايرة المخطئ، وأن من أخطأ لابد من تعريفه بخطئه ومحاسبته عليه، وهذا لا شك أمر حميد ومطلوب، ولكن العبارة ذاتها قاسية وبشعة من حيث الشكل اللفظي ويمكن تغييرها مع الاحتفاظ بالمعنى.
وهناك ما يعرف بالمجاملة وهي تلطيف للصراحة وتخفيف للمباشرة إن كانت حادة أو مؤذية، وهذا ما عمل به أهلنا الأقدمون وأشاعوه، فهم مثلا يصفون الأعور بقولهم «كريم عين»، حتى وإن كان الكلام بعيدا عن مسامع الأعور، تجميلا للصفات السلبية وللعيوب الخلقية، وهذا لا يجرح حقيقة وجود العور كعيب خلقي ولكن ما جرى هو تجميل اللفظ رفعا للحرج عن صاحبه وعدم جرح مشاعره.
وكذلك هم يقولون لخفيف العقل «مو صاحي» ولا يقولون مجنون، وإخواننا المصريون يقولون عنه «مبروك» ويقولون عن المريض «هو بعافية» أي عكس المرض تماما.
القصد من هذا أنه يجب علينا تجميل ألفاظنا ونحت عبارات لا تجرح ولا تؤذي، فالإنسان يبقى إنسانا في أي وضع كان أو في أي عمل عمله حتى لو كان عملا سيئا أو اقترف إثما أو ارتكب جريمة، فلا بد من احترام مشاعره والتلطف معه لاسيما إذا ما كان في وضع المستضعف والمسلوب الإرادة.
[email protected]