كثيرا ما توظف الأخطاء الكبيرة التي تحدث في حياتنا بصورة سلبية، حين تعتبر نقاطا سوداء ومدعاة للإحباط والفشل، في حين أنها، لو نظر إليها من منظور آخر، قد تكون عكس ذلك تماما، وتغدو فرصا للتطوير والتحسين والتغيير الإيجابي، وبشكل ربما لم يكن ليحدث لولا تلك الأخطاء!
تأكدت هذه القناعة وأنا أستمع إلى الدكتور مايكل بيلي Michael A. Bailey من جامعة جورج تاون وهو يعرض كتابه «بحوث الرأي العام على مفترق الطرق Polling at a Crossroads»، في جامعة «برنستون» بالتركيز على التحديات والفرص التي تواجه بحوث الاستطلاع الحديثة مع الطبيعة المتطورة لأساليب الاستطلاع، وتأثير التكنولوجيا على جمع البيانات، والحاجة إلى طرق مبتكرة من أجل الحصول على نتائج دقيقة!
ويقدم المؤلف مقترحات وأدوات منهجية للباحثين والعلماء والممارسين في مجال العلوم الاجتماعية للمساهمة في تطوير وتحسين استطلاعات الرأي بالتركيز على العينات ودقتها!
لكن أكثر ما لفت انتباهي، مما تناوله المؤلف خلال المحاضرة، تلك الأخطاء التاريخية التي وقعت خلال مسيرة قياسات الرأي العام، التي تبدو محدودة في مقابل ربما 90% من النجاحات والجوانب الإيجابية، وللتذكير بأحد هذه الأخطاء هناك صورة كثيرا ما تقدم للباحثين والدارسين في بحوث الرأي العام، وهي إن كانت تدل على إخفاق وقع في مجال التخصص، إلا أنها كذلك تستخدم بطريقة تحفيزية حتى لا يتكرر هذا الخطأ مجددا، وهي صورة للرئيس الأميركي هاري ترومان، عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 1948، ممسكا على سبيل السخرية بصحيفة Chicago daily tribune، التي استعجلت كحال صحف أخرى وقتها في إعلان النتائج، وتصدر صفحتها الأولــى عنوان عريض «ديوي يهزم ترومان»، معتمدة على تنبؤات قياسات الرأي العام آنذاك بأن ديوي هو الفائز، وانتشرت الصورة بشكل واسع، حتى أنها تعرض بين العديد من الصور المعبرة في قسم العلوم السياسية في جامعة برنستون!
وهكذا، فإن هذه اللوحة التي ترمز إلى إخفاق، أراه الأكبر من بين ثلاث محطات فاشلة في تاريخ بحوث الرأي العام، إلا أنها تستخدم مرارا وتكرارا، وفي كثير من الأماكن والمواقف، من قبل العلماء الذين يعملون في هذا المجال كوسيلة للتحفيز!
وبذلك، تصبح مثل هذه الأخطاء والإخفاقات والنكسات التاريخية فرصة للمراجعة والتحسين والتطوير والتغيير الإيجابي، ليس في مجالها فحسب، بل في كل مجالات الحياة، المهني والوظيفي والبحثي وحتى على المستوى الشخصي!
[email protected]