«الإنسان كائن خصوصي» فالحرص على الخصوصية وممارستها واحترامها من سمات البشر الذين تحضرت حياتهم عبر الزمن فهذبت المدنية سلوكهم وعززت من خصوصية الأفراد وشرعت الأعراف والقوانين لحمايتها. واليوم يمكننا معرفة تحضر الإنسان من طريقة نظره إلى الآخر. فالشخص المتحضر المتمدن لا يختلس النظر للآخرين على عكس الشخص البدائي أو الهمجي الذي يطيل النظر ويحملق ويبحلق بهم وكأنه يفتش في تفاصيلهم أو انه يبحث عن الأخطاء السبعة. وذلك بسبب جهله بقدسية الخصوصية التي تميز البشر عن الحيوانات حيث لا خصوصية في عالم الحيوان.
***
من عاش أو زار أميركا والغرب على وجه العموم يدرك الخصوصية المقدسة هناك حيث لا أحد ينظر إلى أحد أو يتعمد الإصغاء لحديث الآخرين. ومن يفعل ذلك يكون شاذا أو أنه غير مهذب كما يكون محل استهجان من بقية أفراد المجتمع. أما النظرات الخاطفة فتتم بهدف تبادل التحية بين الجيران. وأعتقد أن للسلوك الإنساني الحضاري في المجتمعات الغربية المتعلق باحترام الخصوصية جذورا قانونية تاريخية. وأشير في هذه العجالة إلى قانون صدر في بريطانيا عام 1361 يعاقب بحبس من يقوم بـ«اختلاس النظر أو استراق السمع» والشواهد على احترام الخصوصيات هناك أكثر من أن تعد.
***
من المحتمل ان ظاهرة (عدم ستر كامل الجسد) التي تتميز بها المجتمعات الأوروبية والمتمثلة بالثياب المكشوفة والقصيرة، نابعة من ثقافة (احترام الخصوصية) ذلك انه من وظائف الثياب ستر الجسد الآدمي عن نظر الآخرين. وإذا كان الجسد لا يقع في مرمى نظراتهم ولا يتعرض لانتهاك حرمته بسبب احترام الخصوصية. فان ذلك ينفي غرض الستر في الثياب التي تقلصت بمرور الوقت. تماما مثلما يحدث في الأسوار المرتفعة للبيوت في المجتمعات التي يمارس أفرادها التلصص والبحلقة. على عكس المجتمعات الأوروبية التي تحترم الخصوصية فان الأسوار منخفضة وحرمات البيوت مستورة (في) العيون العفيفات.
www.salahsayer.com
@salah_sayer