تطرقنا في المقال السابق إلى جهود الأمم المتحدة والدول لإبرام أجندة 2030 للتنمية المستدامة، وتطرقنا إلى 17 هدفا لتحقيق ذلك بغية تنمية المجتمعات، وفي هذا المقال سنقارن ذلك على واقع الكويت الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والسياسي.
بيد ان مقام مقالنا هذا يستوجب عرضا لتاريخ أمور التخطيط ومنهجيته في الكويت.
٭ بدأت هذه المسيرة قبل 65 عاما بإدارة للتخطيط انيطت للمرحوم احمد الدعيج، وكانت تقارير هذه الادارة تتضمن سردا او تطلعات لبناء مستشفيات ومدارس ومساجد.. الخ، في مناطق عديدة في الكويت، ولم تتضمن التقارير اي اشارة للنهج التنموي.
٭ تلا ذلك، وبعد فترة، اقتراح لخطط خمسية للدولة لم تنفذ اي منها، مما يدل على عدم أخذ الدولة بمنهج التخطيط القومي التنموي.
٭ في معظم الأحيان كانت هذه الانشطة تناط تارة بمجلس واخرى لوزارة دون الاكتراث ان يكون للقائم على هذه المؤسسة المهمة للدولة (وزير او مدير) شأن او معرفة بأمور التنمية والتخطيط، انما اسداء مناصب ليس الا، وفي معظم الاحيان كانت الوزارة تلحق بوزارة اخرى.
٭ لتأكيد ما سبق، اخبرني قبل سنوات صديق اكاديمي في الجامعة انه استدعاه الوزير المنوط به القيام بوزارة التخطيط (ولم تكن له دراية البتة بهذه الأمور)، اضافة الى وزارته الاصلية، وطلب منه امداده ببيانات ووثائق ودراسات عن موضوع اقتصادي، حيث اخبره زميلنا ان هذا الأمر ليس بالسهولة ويتطلب جهدا ووقتا، فكان رد الوزير «اكتب اي شي»، لا احد راح يقرأ او يتساءل!
٭ وعندما قرر المسؤولون تبني خططا للتنمية، خصصت الدولة قبل سنوات 36 مليار دينار لذلك ولسنوات مقبلة، ولم نسمع خلالها او نشعر كمتخصصين بأي مشاريع تنموية، عدا اللهم بناء جسور وخلافه، وهذه مناقصات كانت خصصت لها ميزانيات في وزارة الاشغال، ولم يكن للقائمين على هذه الوزارة الملحقة ـ لمعرفتي بهم ـ اي دراية بمفهوم التخطيط، وبعد سنوات ونتيجة لتغيير وزاري وجد المسؤولون الخلف أنه لم يتبق من هذه الميزانية الا حوالي النصف (19 مليار دينار)! أين ذهب باقي الميزانية؟ وما المشاريع المنجزة؟ ولم تضر هذه الامور مسؤولا البتة وذهبت تلك الاموال ادراج الرياح!
٭ يدلي المسؤولون بين فترة واخرى اننا انجزنا كذا بالمائة من الجسر الفلاني، وكذا بالمائة من المشروع العلاني، هذه امور لا تحدث في دول تحترم عقول الشعوب، وهناك فرق ما بين النمو والتطور والتنمية، ان بناء الطرق وتشييد المستشفيات ومراكز ثقافية او ستادات رياضية، ليس بالتنمية، انما هي من المستلزمات الحياتية للمواطن، فالتنمية هي اقامة مشاريع انتاج تضيف الى الدخل القومي وتتيح فرصا للقوى العاملة الوطنية، وهذا مفهوم، ولعمري غائب عن مدعي التنمية.
٭ بعد كل هذا الجهود لمسيرة التخطيط، قرأنا قبل فترة عن عاملين في مجلس التخطيط بأن هناك عشرات العقبات ما زالت تحد من المشاريع التنموية، وهذا لا مراء يؤكد ما ذهبنا اليه في صدر المقال.
٭ قبل اكثر من خمسة عقود ومنذ البدء في حياتنا العملية، سمعنا وقرأنا ان الدولة تبتغي ايجاد مصادر بديلة للدخل، اضافة الى البترول، وها نحن وعبر تلك الازمنة كنا نكتب وننادي بالشيء ذاته، ولكن لا حياة لمن تنادي، فبينما تصدت دول مجاورة للشيء ذاته، نجد الساسة عندنا قد خافوا من فزعة لبعض اعضاء مجلس الأمة ففكوا تعاقدا مع شركة الداو بمشاريع قدرت من التخصيص بأنها كانت ستدر مليارات الدولارات سنويا لخزينة الدولة، هذا قدر الكويت مع الساسة والمشرعين!
٭ قبل اشهر خلت صدر تصريح من مجلس الوزراء بأن المجلس الأعلى للتخطيط لا يقوم بالدراسات والاقتراحات اللازمة، فيرد المجلس الاعلى للتخطيط والذي يرأسه سمو رئيس مجلس الوزراء ويضم عددا من الوزراء بأن الدولة تسرف في الصرف المالي، شلون نفهم ذلك؟!
٭ أجزم ـ وفق التخصص والخبرة ـ أن خطط وبرامج التنمية لن تؤتي ثمارها بغياب سياسات للعلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي في تواجد مؤسسات للبحث العلمي وتمويله، وهذا أمر تنفذه الدولة حاليا، وحري بالذكر انه وقبل ثلاثة عقود تقدمت لمدير مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وهو اكاديمي يحمل دكتوراه بمقترح لتمويله لإشهار سياسة للعلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي للكويت، ولم نجد استجابة، فتقدمت بعدها بذات المقترح لوكيل وزارة التخطيط وهو حامل للدكتوراه ايضا، ولكنني كنت انفخ في قربة مخرومة!
فعن أي تنمية نتحدث؟!
[email protected]