لا ينكر إلا منكر، ولا يتجافى إلا جاف دور الاعلام بأنواعه المختلفة في تطوير المجتمعات ورقي الشعوب. ففي الاعلام تتكشف آفاق قد تكون مستورة، وفي الإعلام تظهر أمور قد تكون محجوبة، وبالإعلام ينهل المجتمع ويتعرف على معلومات قد تكون غائب عنه. ولا يخفى أن الإعلام قد أسقط دولا ورفع أخرى، بالإعلام قيد كثير من المسؤولين إلى المحاكم وأروقة العدل. ولا يخفى كذلك ان يستخدم البعض الإعلام لغاية في نفس يعقوب ولكن هذه مسيرة الحياة، فالتقدم والرقي قد يواكبه احيانا استخدام للنفوذ.
أخبرت محدثي الاسبوع الماضي بأنني ككويتي اشعر بسعادة وفخر واعتزاز بأنني عايشت وعشت وشهدت فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم حيث أصبحت وأضحت وأمست الكويت قدوة وشامخة ومتطورة في جميع المجالات، علمية، فنية، برلمانية، اخلاقية، رياضية، سياسية، .. الخ. وكنت أكثر سعادة لأنني شاركت في مجالات العلوم والابحاث والإعلام والرياضة، لاسيما عملاق الرياضة نادي القادسية الذي يحاول بعض الاقزام طمس هويته، ولكن هيهات.
وفي مجال الاعلام تبوأ مسؤولية الإذاعة والتلفزيون والصحف قامات بما تعنيه الكلمة، وكان تشجيعهم المطرد للعاملين والمساهمين في هذه المجالات لا يخفى على أحد. وكنت ترى على كرسي الاعلام المرئي والمسموع من ساهم فيه، وعلى كرسي الصحافة من له كتابات وعطاءات ومساهمات، وكانت الرقابة على النشر في أضيق الحدود، وعندما يتجاوز البعض الخط الأحمر نحن كمسلمين وكدولة عربية مسلمة، لا نرى ضيرا أن تكون للرقابة خطوط حمراء تظهر عندما يحاول البعض:
ـ التطاول على الذات الإلهية.
ـ التطاول على الرسل والصحابة وآل البيت.
ـ التطاول على مكانة الأمير.
ـ التطاول بدون سند وإثبات على دول أخرى أو على شخصيات محلية.
فإن تمادت الرقابة الإعلامية لأكثر من ذلك، تحول القارئ إلى مطلع على كتابات وبرامج لا تسمن ولا تغني من جوع.
وفي فترة التسعينيات وما بعد ذلك وعندما رحل الرجالات والنساء ذوو الخبرة والعطاء وغابوا عن الساحة، وكما حصل بالقطاعات الأخرى، بتوسد المسؤولية الإعلامية سنة أولى إعلام وسنة أولى صحافة بأسماء لم نسمع عنها ولم تندرج في مسالك الإعلام فتراهم يضربون شلخ ملخ في الرقابة واقصاء فلان وتمييز علان وأصبح شاغل همهم ان يكون الحوار أو الكتابة على مستوى ذهب الليل طلع الفجر والعصفور صوصو وكنا بالكاد نسمع لحوار أو نقرأ مقالا عنه ونستفيد.
سئل ذات مرة رئيس وزراء دولة أوروبية بعد تقاعده: لقد كنت تركن الى معارضيك وتشجع وترحب بمنتقديك وتتباعد عن قوى حزبك. أجاب بأن رهطي دائما عندهم مقولة كل حاجة تمام يا أفندم ويعملون بما أقول ولا أجد منهم رأيا أو نقدا أوؤ حتى اقتراحا. أما المعارضون فإنهم يتولوني بالويل والثبور وتبيان أوجه القصور والخلل، وإصلاح ذلك يؤدي إلى إصلاح ذات البين وتطور الدولة.
وعليه فإن كانت وسائل الإعلام المختلفة تريدا دورا ايجابيا في تحقيق تطلعات ورؤى التنمية، فعليها الحد من نفوذ سنة أولى إعلام وسنة أولى صحافة والإتيان بمن يعرف الفرق بين النقد والسب، والا سيصبح اعلاما بحال الدول النامية، بالرقابة بحته ضيعها التوجس، والرقابة تلتزم البعض لسماع رأي آخر بأذن مصغية وتحاورها برويه ويسر. فعندما تسند اذرع الاعلام الحق وعندما تعرف الرقابة حدودها تتطور المجتمعات وتسعد الأجيال.
[email protected]