[email protected]
في قضيتنا اليوم أبلغ الكلام ما حسن إيجازه وكثر إعجازه وتناسبت صوره وإعجازه!
في السبعينيات، كان عندي طالب نبيه، ذكي، ألمعي، كبر هذا التلميذ وصار شابا في مقتبل العمر، مسلحا بالشهادة، وعمل مجتهدا كموظف ليترقى في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ليصل الى منصب الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة، إنه ابني وتلميذي النجيب محمد العسعوسي والذي فوجئت وذهلت عندما علمت انه لم يجدد له هذا العام، وأعي وأعلم تماما ان هذا خطأ كبير بعد ان تدرج وحفظ عن ظهر غيب مهام عمله، وتكونت خبرته الوظيفية التراكمية والتي جعلت منه قائدا له بصماته وانجازاته لكنها قوبلت بالصدّ والإهمال وعدم التجديد!
أعرف تلميذي النجيب «ابو صالح»، وأعلم الآن يقينا ان الله عز وجل وبإذنه تعالى «مخبي» ـ بالكويتي «خاش» ـ له مكانا أفضل من المكان الذي غادره بصمت العاملين الواثقين بأن الله عز وجل لن يضيع أجر من عمل عملا صالحا وأتقنه وأن ليس للانسان إلا ما سعى.
قالوا في الأمثال الصينية: اعرف نفسك واعرف عدوك ثم خض مائة معركة.. سوف تنتصر فيها جميعا!
بوصالح: الله راح ينتصر لك والأيام بيننا!
على مدى سنوات ما بعد التحرير وأنا أراقب عمل محمد العسعوسي وهو يعمل بجهد وجد من أجل الكويت، والارشيف يشهد له ـ إن نسيت ـ «الذاكرة الكويتية في المجلس» انجازاته وهو الذي تدرج من موظف في كل قطاعات المجلس.
قال الشاعر:
على المرء أن يسعى إلى الفوز جهده
وليس عليه أن تورق الرغائب
أنا اقول له يا محمد العسعوسي، لا تزعل، هي هكذا اليوم الوظيفة الحكومية، وكما نقول من صادها عشى عياله!
ومضة: وأنت تلملم يا حبيب قلبي أوراقك، ثق بالله انك راح ترجع اقوى مما ظنوا، والله يعلي مقامك، وإن نسوا ما قدمت.. الناس تشوف وما تنسى!
قالها احمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له
ان الحياة دقائق وثواني
علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليكم معروفاً فكافئوه».. أهكذا تكافئون العامل المجد؟!
آخر الكلام: ستذكرك كل الاحتفاليات الكبرى والاعمال الكبيرة التي قمت بها مخلصا لـ«وظيفتك وكويتك» وانت من ابناء وفرسان هذا الوطن العزيز، وكلنا يذكر عطاءك وتضحياتك وجهدك وعملك وتفوقك!
سترجع يا بوصالح من مكان آخر وكأني أراه قريبا وستشرفه وترفعه مثلما كنت على الدوام رقما صعبا ورجل المهمات.. يا بوصالح!
لا تحزن أبا صالح وتذكّر ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:
إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
زبدة الحچي: لا أقول وداعا، فأنت يا وليدي في عز الشباب والعطاء، ولكنني سأدعو لك وكل رفاق دربك ومحبيك وأهلك بأنك ترجع وفي اعلى المناصب، فلقد كفيت ووفيت وكنت على الدوام كما قال البحتري:
صنت نفسي عما يدنس نفسي
وترفعت عن جدا كل جِبْسِ
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين ـ النساء: 135).
نعم.. إنها تزكية تزكيك ابنا بارا لهذا الوطن ولا نزكي على الله احدا!
يا بوصالح: في الثقافة والمثقفين، قال تعالى (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور ـ الرعد: 16).
عملك يا محمد العسعوسي بلاغة وإيجاز كلام في غير عجز وخذها مني شعرا:
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ساءته أزمان
لقد خسروك لأنك مثال حي لرجال مثقفين يسعون بالثقافة للتثقيف!
يا ابني بوصالح: ارفع الرأس عاليا، فأنت لم تهدر الوقت ولا نبذك الزمن وانت الزمن القادم من رحم الايام، وتذكر لي هذه الكلمة، انت قادم في مكان أرحب وأجمل يليق بك، فالحمد لله على نعمته وإنا لمنتظرون.