- الكويت لا تمتلك قمراً اصطناعياً ونعتمد على الصور التي تصلنا من الجهات العالمية ونحتاج قاعدة بيانات محلية نرتكز عليها
- تحليل البيانات علم رصدي يستطيع أن يقدم معلومات عن المشكلة بصورة دقيقة لدعم متخذي القرار بالأرقام والخرائط
أجرت اللقاء: دارين العلي
أن يجتمع الأدب مع العلم فهذا أمر يحتاج إلى قدرات يتميز بها الإنسان لينتج إبداعا يخدم به مجتمعه ووطنه، وفي ظل الشح الذي تعانيه المنطقة من حيث الكتب العلمية باللغة العربية يظهر بصيص أمل بدار نشر كويتية متخصصة بالكتب العلمية لشباب كويتيين جمعوا موهبة الكتابة وحب العلم، فأبحروا في مجالات مختلفة من العلوم كالفيزياء وعلوم الأرض ونظم المعلومات الجغرافية وغيرها.
جاسم البناي أحد مؤسسي الدار، والكاتب العلمي المتخصص في الجغرافيا الطبيعية والدراسات البيئية ونظم المعلومات الجغرافية وتطبيقات الاستشعار عن بُعد حل ضيفا في جريدة «الأنباء» متحدثا عن أهمية الكتابة العلمية بأسلوب سهل لتقليل الفجوة ما بين الكاتب العلمي والقارئ، وعن إيمانه بأن إثراء المكتبة العربية بكتب علمية من كتاب عرب متخصصين هو مهمة نبيلة.
البناي تحدث عن كثير من القضايا المتعلقة بمجال عمله وكتاباته، وعن التقنيات التحليلية لصور الأقمار الاصطناعية ومدى مساهمتها في التحديد الدقيق لكثير من القضايا كتحديد الغطاء النباتي ومدى التلوث البحري وتخطيط المدن ومجاري الأمطار التي قد تجنب الدولة المشاكل الناتجة عن غرق المناطق بسبب الأمطار، وفيما يلي التفاصيل:
بداية، فلنتعرف على جاسم البناي الكاتب المتخصص بالشؤون العلمية؟
٭ جاسم البناي مؤلف وكاتب كويتي متخصص بالكتب العلمية، درست في جامعة الكويت وتخصصت في الجغرافيا الطبيعية والدراسات البيئية، وأكملت دراسة الماجستير في جامعة الكويت في تخصص نظم المعلومات الجغرافية وتطبيقات الاستشعار عن بُعد، والذي يعنى باستخدام تطبيقات النماذج الحاسوبية في البيئة الطبيعية، ولي عدة أعمال علمية بين أبحاث وكتب ومنها الكتاب الأول تحت عنوان «الأغلفة الأربعة» وهو مقدمة في الجغرافيا الطبيعية والنظام الأرضي، أما الكتاب الآخر فهو «علم المكان» وهو مقدمة لنظم المعلومات الجغرافية بالإضافة إلى عدة أبحاث ومشاركات في المؤتمرات العملية وغيرها.
كيف جمعت بين الكتابة والعلوم في آن معا؟
٭ منذ الصغر كانت هناك بوادر إيجابية لدي في كتابة التعبير في اللغة العربية أيام الدراسة، وعندما تخطيت هذه المرحلة العلمية في المدرسة بدأت أنمي مقدرتي على الكتابة واللغة، ولأن الكتابات العلمية شحيحة في اللغة العربية لذا أردنا المساهمة في إثراء هذا المجال بلغتنا، وهو ما أعتبره مهمة نبيلة.
دار النشر العلمية
أسستم دار نشر للكتب العلمية، والتي تعتبر أول دار نشر متخصصة فقط في الكتب العلمية باللغة العربية في البلاد، كيف تم ذلك؟
٭ نعم، دار النشر تم تأسيسها بالتنسيق مع شقيقي المتخصص في علوم الفيزياء، حيث ساهم بكتبه المتعلقة بالفيزياء مع كتبي حول الأرض وعلوم الطبيعة والتي تجاوزت الـ 10 كتب، فأردنا توسيع هذا النشاط عبر مشروع يخدم الدولة والمجتمع العربي لأنه متخصص فقط في مجال العلوم باللغة العربية وهذا المجال شحيح جدا كما ذكرت سابقا، أو ان جودة الكتابة ليست بالمستوى المطلوب، وقد افتتحنا الدار فعلا منذ أكثر من شهر ونصف، ونعمل حاليا على الترجمات العلمية للكتب العلمية الأجنبية القيمة ولعدد من الكتاب العلماء في عدة مجالات على الصعيد العالمي، كما أننا على استعداد لاستقبال طلبات الكتابة العلمية في الدار.
وماذا عن الكتب التي ألفتها وما الرسالة منها؟
٭ أحد الأهداف الرئيسية لكتابة هذه الكتب تقليل الفجوة بين القارئ والكاتب العلمي التي تكبر أحيانا، فالمتخصصون يبحرون في هذه العلوم ما يخلق ينهم وبين الآخرين فجوة فكرية عميقة، وبالتالي كان من المهم جدا من خلال رسالة دار النشر الخاصة بنا أن نقلل هذه الفجوة عبر تسهيل المادة العلمية وتقديمها بأسلوب مميز وضرب أمثلة من الواقع لتسهيل هضمها لدى القارئ.
وهل تجد أن القراء يقبلون على هذا النوع من الكتب؟
٭ العلم هو أساس كل تطور وصل إليه العالم اليوم، إلا أنه يبقى موضوعا ليس سهلا على القارئ العادي، فالكتاب العلمي يحتاج إلى تركيز وصبر وتأن، وهذه الأمور تحد أحيانا من الإقبال على الكتب العلمية إلا أن هناك عددا كبيرا من محبي العلوم يقبلون على هذه الكتب، ويمكن وصف الإقبال عليها بالمتوسط في الكويت.
وعن ماذا تتحدث هذه الكتب والأبحاث؟
٭ كما قلت سابقا الكتاب الأول كان تحت عنوان «الأغلفة الأربعة»، وهو مقدمة في دراسة الأرض، فلا يمكن فهم كوكب الأرض من دون فهم النظام الأرضي، فمثلا الحكم على قضية تغير المناخ صعب جدا إذا لم نفهم الآلية التي يعمل بها النظام الأرضي، وبالتالي الاطلاع على هذه المعلومات يخولنا القدرة على الحكم والفهم والتقدير الأفضل لهذا الموضوع، أما الكتاب الثاني فهو حول «مقدمة إلى نظم المعلومات الجغرافية» ويحتوي على جزئين، الأول نظري والثاني عملي، وهو بمنزلة بداية الإبحار في عالم الخرائط واستخلاص المعلومات منها.
علوم الأرض والفضاء
نعلم أن تخصصكم يتعلق بعلوم الأرض واستغلال تقنيات الأقمار الاصطناعية في تحليل الأنظمة الأرضية، فما أهمية هذا العلم؟
٭ نستفيد من تقنيات الفضاء في دراسة الأرض والطبيعة، ولابد هنا من ذكر أن عائلة الأقمار الاصطناعية كبيرة جدا، بعضها خاص بالاتصالات وبعضها لنظم المعلومات الجغرافية، لكن عملنا يتخصص بالعائلة التي تعنى بالتقاط صور لكوكب الأرض، فهذه الصور تسمح لنا باستخراج معلومات هائلة عن الأرض، كما يستخرج الطبيب معلومات عن كسور العظام باستخدام الأشعة المتخصصة، ونحن نستخدم أطياف أشعة في دراسة الطبيعة، فالمعلومات التي لا يستطيع الإنسان تحصيلها بواسطة الرؤية يمكن أن نحصلها من الفضاء بمستشعرات تعمل بدقة عالية جدا تسمح لنا بمعرفة معلومات فريدة ودقيقة، فمثلا يمكن من خلال هذه التقنيات تحديد الغطاء النباتي بدقة في الكويت والمنشآت وكذلك يمكن تحديد المناطق المرتفعة والمنخفضة، ما يساعد في ترسيم المدن وكذلك تحديد مسار العواصف الترابية ومصادرها وتقدير كمياتها وغيرها من الأمور.
قمر اصطناعي كويتي
هل هذه التقنيات مستخدمة حاليا في الكويت؟
٭ نعم بدأ استخدامها حاليا، إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن هذا العلم يعتبر حديثا مقارنة بالعلوم الأخرى فهو لم يتجاوز عدة سنوات، وربما بدأت تطبيقات هذا العلم تكبر وتتوسع في الكويت إلا أنه إلى الآن يعتبر شحيحا مقارنة بالعلوم الأخرى، نظرا لعدة أسباب أولها نقص المتخصصين وقلة الخبرة بسبب حداثتهم في أداء هذا العمل، وكذلك قلة البيانات عن الفضاء، فالدول الأخرى لديها أقمار اصطناعية خاصة بها بينما في الكويت لا نمتلك قمرا اصطناعيا ونعتمد على الصور التي تصلنا من الجهات العالمية ونحن نحتاج الى قاعدة بيانات محلية نرتكز عليها، لكن أرى أن هناك بوادر كثيرة للاهتمام بهذا العلم نظرا لأهميته في تقليل التكلفة الزمنية والمادية بكثير من القضايا، علما أن هناك توجها لإطلاق قمر اصطناعي كويتي سيخدم كثيرا في هذا المجال.
تحدثتم عن إطلاق قمر اصطناعي كويتي، فما هي الجهة المعنية بذلك؟
٭ حسب معرفتي المتواضعة هناك مشروع بين جامعة الكويت ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وتعمل على الموضوع د.هالة الجسار في قسم الفيزياء بالجامعة مع مجموعتها البحثية.
هل تم استخدام هذا العلم محليا في دراسة ورصد مناطق الكويت في مختلف المجالات؟
٭ بدأت استخدامات هذا العلم والتقنيات في عدة مؤسسات منها الهيئة العامة للبيئة، حيث أعمل حاليا وتحديدا في قسم البحر، ونحن نستخدم هذه التقنيات في تحليل البيئة البحرية في الكويت، وكذلك هناك جهات أخرى تستخدم هذا العلم مثل معهد الكويت للأبحاث العلمية حيث لديه قسم لنظم المعلومات الجغرافية ووحدة للاستشعار عن بعد لمساعدة الجهات الأخرى في فهم البيئة الكويتية، ونشير إلى أن هناك بعض المشاكل كان بالإمكان تجنبها لو تم استخدام هذه التقنيات في السابق، خاصة في إنشاء المدن، فعلى سبيل المثال هناك المشكلة التي واجهتها الكويت عام 2018 بسبب الأمطار الغزيرة كان يمكن تلافيها وتجنب خسارة أموال كثيرة لو كانت هذه التقنيات مستخدمة في تحديد مناطق إنشاء المدن والمنشآت.
ترسيم المدن ومجاري الأمطار
كيف يمكن أن تساعد هذه التقنيات في تجنب هذه المشاكل والخسائر؟
٭ بعض الأقمار الاصطناعية لا تحتوي فقط على كاميرات بل على جهاز رادار يمكن أن يرصد الارتفاعات في أي دولة، وبالتالي يمكن من خلال هذه الارتفاعات أن أحدد مجاري المياه، ونحن نعلم أن الكويت جغرافيا هي بوضع مائل من السعودية إلى البحر، فمن المنطقي أن المياه ستنجرف إلى البحر، وهذا الانجراف لا يكون عشوائيا بل محدد بمسارات طبيعية أوجدتها الطبيعة عبر السنوات الطويلة، فلو تم تحديد هذه المجاري بدقة باستخدام التقنيات والمسح الحقلي عن طريق الأقمار الاصطناعية لساعد ذلك على تجنب تشييد بعض المنشآت في مجرى خطر جدا كما حصل في بعض مدن الكويت.
وهل الجهات المعنية بإنشاء المدن على حد معرفتكم تستخدم هذه الوسائل لتحديد الأماكن المناسبة؟
٭ قد يكون الاستخدام محدودا إن وجد، وهنا لا ألوم هذه الجهات فقط، وإنما أعتب على المتخصصين بهذه العلوم في الكويت لأنهم لم يقوموا بتسليط الضوء على هذا المجال والتسويق لأهميته كما ينبغي وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى عدم إعطاء هذا التخصص موقعه في الجامعة.
تطوير صحيفة التخرج
ما اقتراحاتكم ليصبح هذا العلم من العلوم التي يرتكز عليها في اتخاذ القرار؟
٭ بداية، يجب تطوير صحيفة التخرج في الجامعة، وهذا أعتقد أن أساتذة الجامعة في هذا التخصص يحاولون التطوير منها حاليا، كما أقترح زيادة نسب ابتعاث المتخصصين في هذا المجال، فلا يقتصر الأمر على متخصص واحد كل سنتين، وذلك لإيجاد كادر علمي كبير، كما هو حاصل في الدول المجاورة كالامارات والسعودية اللتين تهتمان بهذا التخصص كثيرا، بينما في الكويت، فإن المتخصصين الفعّالين في هذا المجال معروفون بالاسم ومجال الاهتمام، فعلى مستوى الدولة هذا التخصص قليل جدا ونحن نحتاج إلى كوادر والإيمان بأهمية هذا التخصص.
هل يمكن أن يتم انشاء مركز متخصص بهذا العلم؟ وهل لديكم نية لطرح هكذا أمر على المعنيين؟
٭ هذا يعتبر نقلة نوعية في مجال تطبيقات هذا العلم، وإذا تم إنشاء هيئة لإدارة الكوارث الطبيعية فستكون أداتها الأولى نظم المعلومات الجغرافية وتطبيقات الاستشعار عن بعد، وهذا ما هو قائم في كثير من الدول، وبالتالي إنشاء مركز لهذا التخصص مهم جدا ومن أشهر الجهات المماثلة هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، وهي متخصصة بهذه العلوم.
الرصد البحري
تحدثت عن عملك في هيئة البيئة بمجال الرصد البحري، فكيف هو بحر الكويت وفقا للأقمار الاصطناعية؟
٭ تدخل في ذلك عدة اعتبارات سواء جودة المياه أو حركتها أو بيئة الكويت وضحالتها، والبيئة البحرية لدينا جميلة جدا لكنها معرضة للضغوط بسبب التكدس السكاني على السواحل، ونعاني من بعض المشاكل، لكن ليس جميعها ناتجا عن الممارسات البشرية بل أيضا البيئة الضحلة تسهم في تركز المواد الملوثة، فعلى سبيل المثال تبدل المياه في جون الكويت بطيء جدا وبالتالي النشاط البشري الزائد في الجون يربك بيئته.
جزيرة فيلكا
شارك جاسم البناي في دراسة أعدت حول جزيرة فيلكا في عدد من المؤتمرات المحلية والعالمية، وكانت هذه الدراسة البحثية حول المناطق المنخفضة والمعرضة لأن تغمرها المياه بسبب التغير المناخي.
وقال: نحن كمخططين ننظر إلى الأمور البعيدة المدى، وهذا ما يحصل اليوم في أوروبا وتحديدا هولندا بسبب انخفاض أراضيها، حيث بدأت بهذه الدراسات لابتكار الحلول وتفادي غمرها بالماء، ونحن في الكويت سنضع أموالا هائلة لتطوير المنشآت الساحلية، وبالتالي يجب أن نتعرف على مستقبل المناطق الساحلية.
واضاف ان الدراسات تقول إنه ما بين عامي 2050 و2100 سيكون هناك ارتفاع بمستوى سطح البحر بين نصف متر الى مترين، ونتيجة لهذا الارتفاع وجدنا من خلال دراسة المناطق المنخفضة على الجزيرة أنه قد يغمر من 30 إلى 40% منها، والجدير بالذكر هنا أن موجة الأمطار التي هطلت على الكويت عام 2018 أحدثت في الجزيرة بحيرات داخلية هي نفسها المناطق المنخفضة التي سبق أن تم تحديدها في الدراسة، وهذا ما يحتم علينا إيجاد حلول للأمر قبل وقوعه، خصوصا أننا في الكويت سيتم استثمار الملايين في مشاريع المدن المستقبلية التي تعتمد بالدرجة الأولى على جزيرتي بوبيان وفيلكا، ومن هذه الحلول المقترحة رفع مستوى التربة وكذلك هناك حلول تتعلق بحركة المياه وغيرها.
دعم متخذي القرار
بسؤاله عما اذا كانت التقنيات العلمية التي تحدث عنها يمكن أن تسهم في وضع حد لهذه المشاكل، قال البناي: إن هذا العلم هو علم رصدي يستطيع أن يقدم معلومات عن المشكلة بصورة دقيقة لدعم متخذي القرار بالأرقام والخرائط وبالقياس الكمي بالرقم والصورة، فعل سبيل المثال إذا كان هناك تلوث ساحلي يمكننا من خلال هذه الخرائط استخراج مدى قرب هذا التلوث من الساحل ما يسمح لمتخذي القرار باتخاذ الإجراءات الملاءمة بالوقت المناسب والشكل المناسب.