- الفرحان: المطاعم والمقاهي وبعض ألعاب المجمعات أو ليالي الفنادق فرص متاحة ومحدودة لقضاء أوقات الفراغ خاصة في الأعياد والإجازات
- الرفاعي: إعادة فتح المرافق الترفيهية لها تأثير مفيد على المجتمع اقتصادياً وتنعش الشركات المحلية والسور الحيوي للسياحة بالبلاد
- بن سبت: البدائل المتاحة محدودة جداً.. وعلى الدولة التدخل واتخاذ قرارات سريعة وفعالة للنهوض بقطاع السياحة والترفيه
- علماء النفس: الملل سيد الموقف والبيوت تضج بالشكوى والحل إما بالذهاب إلى المطاعم أو البحر طلباً للترفيه
إعداد الكاتبة : شذى الفوزان
صار من المعلوم والبديهي أن المرافق الترفيهية لم تعد شيئا ثانويا في حياة الناس، بل صارت جزءا أساسيا لا غنى عنه.
وفي الكويت، كانت هناك انطلاقة تتناسب مع سياسات الدولة في هذا الشأن وذلك في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وتمثلت بـ «برامج الترويح السياحي في الصيف»، والتي تطورت إلى مرافق كالواجهة البحرية والحدائق ومتنزه الخيران وفيلكا والمدينة الترفيهية وغيرها.
ولكن للأسف حدث إغلاق للعديد من هذه المرافق السياحية، مما دفع المواطن إلى البحث عن الترفيه بالخارج دائما فاكتظت المطارات بالكويتيين في فترة الإجازات وصارت بعض البلدان حول العالم تشهد حضورا كويتيا أكبر من أي حضور آخر.
فحتى متى تظل هذه الصورة الذهنية لدى المواطن لواقع السياحة والترفيه في بلدنا على هذه الحال وهي أن «ديرته» لا تصلح لقضاء أمتع الأوقات؟ وما الأثر الاقتصادي لهذا الواقع الذي نعيشه حاليا على مستوى قطاع السياحة؟ وهل أصبح الترفيه لدى المواطن غير القادر على السفر متمثلا فقط في المولات والمطاعم التي لا تعود على المواطن سوى بمزيد من السمنة والأمراض، وهو الذي يلجأ إليها بأسرته مضطرا لغياب أماكن ترفيهية بالفعل؟ ما الذي جناه المواطن الكويتي حتى تكون أوقات فراغه فقط بالمطعم أو بالمول للتسوق؟ وما الذي ينقصنا كي نشعر بأن إجازاتنا سوف نقضيها مستمتعين بالفعل في «ديرتنا»؟ لماذا أغلق العديد من المعالم السياحية ولم يتم فتحها مرة أخرى؟ وهل المسؤولون يشعرون بالفعل بأهمية هذا القطاع وإمكانية تطويره وهل يعلمون أن هناك جيلا بأكمله لم يشهدوا أماكن ترفيهية كانت معلما من معالم الكويت وأصبحت لا تذكر الآن؟ أم أن السفر أصبح الملاذ الوحيد لمن استطاع إليه سبيلا؟
أجمع علماء النفس على أن الترفيه يحقق التوازن الانفعالي المطلوب لدى أي إنسان، وأن المشاهد المبهجة والتغيير النوعي في نمط الحياة يجدد نشاط الإنسان على مستويات عديدة، والمواطن الكويتي الآن إذا أراد تحقيق هذه المعادلة في حياته ونظر حوله سيجد المطاعم المنتشرة بكافة أنواع الأطعمة عن يمينه والمولات أو المراكز التجارية عن يساره بالإضافة إلى القليل والقليل جدا من المناظر المبهجة والبديعة التي تدخل السرور على النفس، فماذا سيختار إذن؟ وكيف سيتصرف؟ الحل في السفر أو الاستجابة للأمر الواقع، أو الاستسلام للأجهزة الإلكترونية وفي كل ذلك من السلبيات ما هو أكثر بكثير من الإيجابيات، تم إغلاق حديقة الشعب والأكوابارك وكذلك المدينة الترفيهية وصالة التزلج وأحواض السباحة، والمعلم السياحي الشهير أبراج الكويت والعديد من الأماكن والوسائل الترفيهية في ديرتنا.
وهذا الواقع لا يتمثل فقط في إغلاق الأماكن الترفيهية بل يظهر أيضا في سوء التخطيط أحيانا وتفويت الفرص على المواطنين للاستمتاع بمشروعات سياحية حقيقية.
كل هذا ترتب عليه أن الملل أصبح هو سيد الموقف، البيوت تضج بالشكوى من الملل وتنتهي بقرار الذهاب إلى المطاعم حتى وإن ذهبت الأسرة إلى البحر للترفيه وجدت المطاعم ممتدة على شريط البحر كاملا! هذا هو الواقع الترفيهي لدينا، فكيف يراه الخبراء؟
الإغلاق ليس حلاً
يقول الخبير السياحي والمدير العام لجمعية الصداقة الكويتية الإنسانية خالد محمد بن سبت إن الهدف الرئيسي من إغلاق أي مرفق سياحي هو التطوير، على أن تكون هناك خطة عمل واضحة لتطوير وتحديث هذا المرفق، ولكن للأسف بسبب عدم خبرة وتخصص القائمين على هذا الأمر قاموا بإغلاق عدة مرافق ولم تكن لديهم الخطة القابلة للتنفيذ، ولم يوفروا أي بدائل للجمهور عدا تصورات فقيرة غير قابلة للتنفيذ، مثلما حدث بصالة التزلج، التي تم إنشاؤها في سبعينيات القرن الماضي، وكانت أول صالة تزلج في الشرق الأوسط بهذا الحجم، ولكن للأسف تمت إزالة هذا المرفق دون البدء بإنشاء البديل.
وتابع الخبير السياحي إن مجال الترفيه يتطور بشكل سريع، وفي كل عام يطرأ ما هو جديد في هذا المجال، وليس من المعقول أن يعلن عن تنفيذ مشروع ترفيهي يستغرق إنشاؤه عشر سنوات تقريبا، وهذا يدل على عدم خبرة هذا المسؤول بالعمل السياحي أو الترفيهي، وكان من الأجدر هو عمل الإصلاحات والتطوير على مراحل دون اللجوء إلى الإغلاق التام لأي مرفق، متزامنا مع إنشاء مرافق جديدة ومتطورة.
وعن البدائل المتاحة أمام الجمهور وبخاصة الشباب من الناحية الترفيهية والسياحية، قال بن سبت: إن البدائل المتاحة حاليا محدودة جدا، وأغلبية هذه الأماكن هي ألعاب إلكترونية داخل المجمعات التجارية، وليست أماكن ترفيهية بمحض الكلمة، حتى أصبح مفهوم الترفيه هو المشي داخل المجمعات التجارية والجلوس في المقاهي.
وختاما، يرى أن على الدولة التدخل واتخاذ قرارات سريعة وفعالة للنهوض بقطاع السياحة والترفيه.
هل من مجيب؟!
يذهب طارق الفرحان، الناشط بمجال الخدمات العامة والسياحة في الكويت، إلى أن السياحة من البنية التحتية أو رأس المال الاجتماعي في كل دول العالم بغض النظر عن درجة النمو والتقدم في الدولة.
وعن أهمية المنشآت الترفيهية أو السياحية، يرى أنها الفرصة المتاحة والمحدودة لقضاء بعض أوقات الفراغ خاصة في الإجازات والأعياد، مستدركا: ولكنها لا تعدو أن تكون مطاعم ومقاهي وبعض الألعاب في المجمعات أو خصومات لليال فندقية!
وهنا يطرح المواطن السؤال التالي: من هي الجهة الحكومية التي تتولى ملف الترفيه؟ وما قدراتها وتجاربها وخبراتها؟ وما الجهة المكلفة بإعادة بناء وتجديد وإدارة المشاريع الترفيهية والسياحية في الكويت؟ ويعقب على تلك الأسئلة بقوله: أسئلة مستحقة، فهل هناك من يجيب عليها؟!
إن الأنشطة الترفيهية المجتمعية للشباب لها آثار إيجابية وبعيدة المدى على الصحة النفسية والعقلية خاصة لهذه الفئة العمرية، هذا ما يراه الطبيب النفسي الدكتور بسام البطحي، حيث إن العديد من الدراسات الحديثة، ربطت الأنشطة الترفيهية بانخفاض معدل حدوث الاضطرابات النفسية.
وحذر البطحي من البقاء في المجمعات والأماكن المغلقة طوال الوقت، لما له من تأثير سلبي للغاية على الصحة النفسية للأفراد والأسر، فقد أظهرت بحوث علمية أن الإضاءات الكهربائية وغياب الضوء الطبيعي يمكن أن يؤدي إلى إفساد إيقاعاتك الداخلية والساعة البيولوجية، وهذا بدوره يرتبط باعتلال الصحة وزيادة خطر الإصابة بالسمنة والسكري وتعاطي المخدرات والاكتئاب وأمراض أخرى.
رؤية اقتصادية
ويرى الخبير الاقتصادي والمدير التنفيذي لمركز النصاب للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي أن الكويت لديها بالفعل عدد قليل من المشاريع السياحية والأنشطة السياحية وكثير من المواطنين يعتمدون على هذه المرافق للترفيه وكوسيلة لقضاء أوقات فراغهم.
وقد أدى إغلاق هذه المرافق إلى أكثر من مجرد خسارة اقتصادية للبلد، ولكن في الواقع، هذا فضلا عن الخسارة الاجتماعية.
ويستطرد: قبل الإغلاق كانت الكويت في وضع جيد وتعمل على تقديم مجموعة متنوعة من الأنشطة السياحية الجديدة، وتعد حديقة الشهيد مثالا على ذلك. أعتقد أن البلاد يمكن أن تعود إلى مسار النمو والتطور هذا في قطاع السياحة.
ومع ذلك، يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذا القطاع كان صغيرا حتى قبل الإغلاق، لذا فإن أي تطوير جديد من هنا سيمضي قدما في إضافة مزايا اقتصادية واجتماعية للبلاد ومواطنيها.
ويؤكد الرفاعي أن قطاع السياحة والترفيه في الكويت يعتبر صغيرا جدا، ويمثل جزءا أصغر من الاقتصاد مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي المجاورة.
ولذلك سيكون لإعادة فتح المرافق المغلقة فائدة وتأثير مباشر على المجتمع. اقتصاديا، نعم ستشهد الشركات المحلية التأثير المباشر.
وقد ظهر بديل خلال الإغلاق تمثل في «السياحة المحلية» حيث لجأ الكويتيون بسبب الإغلاق من «كوفيد-19»إلى إيجاد طرق لقضاء أوقات فراغهم محليا، وشمل ذلك قضاء الوقت في الفنادق والمنتجعات المحلية.
تعتبر بعض الفنادق الآن السياحة المحلية سوقا حيويا مستهدفا لها وجزءا من خطط النمو المستقبلية.
ويرى الخبير الاقتصادي أن الكويت كانت قد حظيت بفرصة كبيرة للتطور كوجهة سياحية إقليمية.
وذلك خلال حقبة الثمانينيات، حيث ظهرت مشاريع سياحية منها المدينة الترفيهية ومشروع الواجهة البحرية، وكانت أمثلة على الرؤية التي كانت الدولة تمتلكها في السابق لهذا القطاع.
ومع ذلك، لم يستمر هذا بعد الثمانينيات لأسباب مختلفة تسببت في تراجع قطاع السياحة عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي استغلت فرصة تنويع اقتصاداتها بعيدا عن اعتمادها على النفط.
ويؤكد أنه لاتزال أمام الكويت فرص لتطوير هذا القطاع، لكن العصر الذهبي لهذه الفترة قد ولى بالفعل.
أرى أن الدولة تعمل على تطوير وتعزيز السياحة المحلية، ولكن استهداف السياحة الإقليمية أو الدولية في هذا الوقت سيكون تنافسيا ومكلفا للغاية.
وأخيرا.. المواطن الكويتي ينتظر أن تتفتح عيناه يوما على مشاهد مبهجة في بلاده وأماكن ترفيهية تغنيه عن السفر وتجعله يهجر الأجهزة الإلكترونية ولو لقليل من الوقت بخاصة الشباب، لاسيما أن ثقافة الترفيه والسياحة تتجذر مع الوقت في العقلية الخليجية بشكل عام، والكويت أولى وأجدر بها وهي التي كان لها السبق دائما في هذا الإطار.