سورة الزمر يدور محورها حول فوائد التوحيد من تحقيق سكينة القلب وسلامة الصدر وانشراحه. ومن منافع التوحيد: القوة للإنسان المؤمن لا تكون إلا بالتوحيد، ومازال الله عز وجل يأخذ بأيدينا لحال هؤلاء متعجبا من حالهم يقرون بوجود الله ومع إقرارهم يشركون معه الشريك، ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض؟ ليقولن خلقهن الله.
قل لهم، هل تستطيع هذه الآلهة التي تشركونها مع الله ان تبعد عني أذى قدره الله أو تزيل مكروها لحق بي؟ وهل تستطيع ان تمنع نفعا او تحبس رحمة الله عني؟ سيقولون: لا نستطيع ذلك. قل لهم: حسبي الله وسيكفيني كل ما أهمني، فعليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم، فهو الذي بيده وحده الكفاية حسبي الله عز وجل هو الكافي، ففي التوحيد العزة والكرامة والقوة.
(قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) قل يا محمد لقومك المعاندين: اعملوا على حالتكم التي رضيتموها لأنفسكم حيث عبدتم من لا يستحق العبادة (إني عامل) بما أعلم انه الحق، لقاؤنا يوم الفصل كل عامل يجزى بعمله.
مهمة الرسول التبليغ
(إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق) فالقرآن طريق الرشاد، فمن اهتدى بنوره وعمل بما فيه واستقام على منهجه فنفع ذلك يعود على نفسه، ومن ضل بعدما تبين له الهدى، فإنما يعود ضرره على نفسه، ولن يضر الله شيئا وما أنت يا محمد عليهم بوكيل تحفظ أعمالهم وتحاسبهم عليها، فما عليك إلا البلاغ.
قدرة الله
(الله يتوفى الأنفس حين موتها... الآية) الله عز وجل هو الذي يقبض الأنفس حين موتها وهذه الوفاة الكبرى، وفاة الموت بانقضاء الأجل ويقبض التي لم تمت في منامها وهي الموتة الصغرى، فيحبس من هاتين النفسين النفس التي قضى عليها الموت، وهي نفس من مات ويرسل النفس الأخرى الى استكمال أجلها ورزقها، وذلك بإعادتها إلى جسم صاحبها، إن في قبض الله نفسي الميت والنائم وإرساله نفس النائم وحبسه نفس الميت لدلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر.
الشفاعة لأهل الإيمان
ثم يعجب الله عز وجل من حال الناس الذين لا يتفكرون في آيات الله ومن يتخذ من دون الله شفعاء (أم اتخذوا من دون الله شفعاء.. الآية) أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع لهم عند الله في حاجاتهم؟ قل يا محمد لهم: أتتخذونها شفعاء كما تزعمون ولو كانت الآلهة لا تملك شيئا ولا تقبل عبادتهم لها؟
قل يا محمد لهؤلاء المشركين: لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والارض وما فيهما فالأمر كله لله وحده ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه فهو الذي يملك السموات والارض ويتصرف فيهما، فالواجب ان تطلب الشفاعة ممن يملكها وأن تخلص له العبادة ولا تطلب من هذه الآلهة التي لا تضر ولا تنفع ثم اليه ترجعون بعد مماتكم للحساب والجزاء.
ثم يخبر الله عز وجل حال الذين انتكست قلوبهم وتعطلت فطرتهم (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة... الآية) يكرهون ذكر الله، واذا ذكر من دون الله يستبشرون ليس عبادة من دون الله فقط بل عبادة الهوى، أهل الاهواء اذا دعوا الى ما يريدون استشبروا واذا دعوا الى الله نفروا.
يلقن الله تعالى نبيه كيف يتعامل مع هؤلاء (قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أن تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) قل اللهم يا خالق السموات والارض، عالم السر والعلانية انت تفصل بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون من القول فيه وفي عظمتك وسلطانك والايمان بك وبرسولك، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
(ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا.. الآية) علق الأمر على مستحيل لو ان للمشركين بالله ما في الارض جميعا من مال وغيره ومثله معه مضاعفا لبذلوه يوم القيامة ليفتدوا به من العذاب، ولو بذلوا ذلك ما قبل منهم ولا أغنى عنهم عذاب الله وظهر لهم أمر الله وعذابه. وظهر لهؤلاء المكذبين يوم الحساب جزاء سيئاتهم التي اقترفوها يرى اهل الكفر اعمالهم دون ستر يسترهم ويضاعف لهم العذاب ويحيط بهم من كل جانب جزاء لاستهزائهم.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)