الصراحة هي الكلام المباشر بكل وضوح ودون لف ودوران أو غموض، ولا شك أنها توأم الصدق، إن أتت في محلها، وتعد من الفضائل، وقد أصبحت اليوم مرفوضة جملة وتفصيلا؟ ولم يعد أناس كثر يتقبلونها ولا يستسيغونها، فالناس تتقبل الصدق أكثر من تقبلها للصراحة، حتى أن البعض يعتبر الصراحة وقاحة، فهي غالبا ليست مريحة مع تفشي ظاهرة المجاملات، فالشخص الصريح غير مرغوب فيه في أكثر الأحوال، رغم أن الصراحة خالية من الكذب وهي الصدق والحقيقة بلا رتوش وتلميعات وتزلف.
من هنا نجد الصريح يقع في مشاكل ممن لا يتقبلها، بل ويتهم الصريح بأنه لا يراعي شعور الآخرين، لأنه قال الصراحة والحقيقة بكل تجرد، عودوا بنا إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضوان الله عليهم لتجدوا أن منهجهم الذي ساروا عليه الصدق والأمانة والصراحة والوضوح، فالصراحة من سمات تشريعنا، والمصارحة بحد ذاتها تعني المناصحة، وفيها الطمأنينة والراحة ووضع الأمور في مكانها الصحيح، كما أنها من أسباب التواد والألفة، ولكنها تحتاج إلى الطريقة المناسبة والأسلوب المستحب في طرحها، والتمهيد لها، ومن يريد أن يصارح أحدا عليه أن يختار عبارات لطيفة ولائقة في طرحه لها.
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعو بالرحمة لمن يصارحه فيقول: رحم الله من أهدى إلى عيوبي.
واليوم يا سادة تغير الوضع فإذا جاملت أحدا وأثنيت عليه بما ليس فيه انتفخت أوداجه زهوا وفرحا وصدق نفسه وشكرك بحرارة، وكأنك أهديته هدية غالية، أما إذا صارحته بعيوبه وبينتها له غضب منك وتضايق كثيرا وربما قاطعك، ولكن هناك ثمة مشكلة عند البعض وهي عدم إدراكهم للطريقة المثلى في المصارحة، فالصراحة تحتاج إلى الوقت المناسب، وألا تكون أمام جماعة، وأن يراعى ظرف الإنسان وحالته النفسية، والوقت المناسب، قبل الحديث معه، ثم أن بعض الناس أفقهم ضيق لا يتحملون الصراحة فلا داعي لمصارحتهم، يقول الإمام الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
والأفضل للإنسان ألا يبالغ في الصراحة ولا يبالغ في المجاملة، فكل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، فالجرأة في الصراحة مذمومة لأنها تفسر على عكس المقصود، إن الصراحة مع النفس ومع الناس مكسب لك، وهي سبيل لإصلاح العيوب.