كتبها: د.طارق البكري
في صباح يوم من الأيام، خرجت الشمس لتضيء وجه الأرض بأشعتها الذهبية.. لكن ضياءها هذا اليوم كان ضعيفا خافتا باهتا.. فلاحظ الفتى اليافع سالم أن الشمس لا تشرق ساطعة كعادتها.. فسألها: يا أيتها الشمس المحبوبة.. ما لي أراك حزينة مهمومة على غير عادتك؟ هل أنت مريضة؟
تنهدت الشمس وقالت: آه يا صديقي الصغير.. ماذا أقول لك! اليوم قبل أن أخرج إليك صباحا تأملت نفسي وقلت: إلى متى سأستمر على هذه الحال.. لقد تعبت ولا من يقدر تعبي.. كل يوم أحترق وأحترق.. تتفجر فوق رأسي البراكين لكي أنير الأرض.. أذوب شيئا فشيئا من أجل الآخرين.. فإلى متى؟ لقد أصابني اليأس والتعب والملل.. وبدأت أشعر بالمرض والإحباط والشيخوخة.
شعر بتأثر بالغ من كلام الشمس التي يحبها.. فقال: من أخبرك بأننا لا نقدرك؟! كل الناس يعرفون قيمتك وكتبوا لك وعنك القصائد والقصص والحكايات والحكم.. كيف لا والله تعالى ذكرك في كتابه العزيز مرات عديدة.. وأقسم بك وسمى سورة كاملة باسمك؟!
ثم تابع الصبي كلامه بالقول: هل تعلمين يا شمسي الحبيبة أنك من أهم أسباب استمرار الحياة على وجه الأرض، ولهذا السبب قدسك القدماء، حتى إن بعضهم عبدك ـ جهلا ـ تبجيلا لقوتك وخوفا من «جبروتك».
قاطعت الشمس الصبي قائلة: أستغفر الله العظيم.. ما أنا إلا مخلوق ضعيف.. وإني لغاضبة جدا من أولئك الذين عبدوني دون حق.. لست سوى نجم متوسط الحجم والكتلة واللمعان، أسطع بأمر الله.
قال: لقد تعلمت عنك في مدرستي الكثير.. وهناك علماء كبار متخصصون بدراسة الفضاء والعلوم المتعلقة بك.
فتح سالم كتابه المدرسي وراح يقرأ: الشمس أقرب النجوم إلى الأرض، وهي النجم الوحيد الذي يمكن رؤية معالمه المسطحة بواسطة المنظار الفلكي، أما باقي النجوم فيصعب حتى الآن مشاهدة تفاصيل أسطحها نظرا لبعدها السحيق عنا. فلو استخدمنا أكبر المناظير في العالم فسوف نرى النجوم كنقط لامعة ودون تفاصيل، أما لو استخدمنا منظارا متوسط القوة لرأينا مساحات على سطح الشمس تساوي مساحة دولة مصر تقربيا..
كانت الشمس فخورة بنفسها وهي تسمع هذا الكلام.
فرح الصبي لفرح الشمس وفخرها بنفسها.. فقال: حق لك أيتها الشمس البراقة أن تفخري بنفسك.
كانت الشمس تستمتع وهي تستمع.. فتابع سالم حديثه قائلا: إما إذا أردنا أن نتحدث عن فوائدك فهي كثيرة، فأشعتك ـ كما يقول الأطباء ـ تقوي جهاز المناعة عند الإنسان، وتمد جسده بالدفء والضوء، وتقتل البكتيريا الضارة، وتساعد في الوقاية من بعض الأمراض.
ضحكت الشمس من أعماقها وقالت: كل هذا! ما شاء الله.. ما أجملك يا ولدي.. لقد ملأت قلبي سعادة وحبورا.. أسعدك الله كما أسعدتني.
فقال سالم: ليس هذا فقط، لو جلسنا نتكلم عنك وعن أفضالك لما انتهينا.. فحديثنا عنك طويل طويل.. فقد ورد ذكرك في الأساطير العالمية والقصص الخيالية.. وهناك دراسات وبحوث وكتب لا تحصى عنك.. فهل بعد كل هذا الكلام ستشعرين بالحزن والإحباط مرة أخرى؟!
قالت الشمس وقد انجلى همها ولمع لونها واشتد توهجها وسطوعها: ما أحلى كلامك أيها الصديق العزيز البارع الرائع.. أعدك أنني من اليوم فصاعدا لن أشعر بالملل ولا بالإحباط.. وسأشكر الله دوما على نعمه العظيمة.. فقد وهبني صفات كثيرة بإكرام وفضل.