- ما يقرب من مليار مدخن من الذكور و250 مليون مدخنة من الإناث يعيشون على كوكبنا تحت وطأة أضرار تعاطي التبغ
- «تحدي الإقلاع» التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية تتضمن أكثر من 100 سبب للإقلاع عن تعاطي التبغ
- السجائر الإلكترونية أكثر خطورة على صحة الأطفال ويمكن أن تؤدي إلى تلف في خلايا المخ لديهم لشدة حساسيتهم إلى النيكوتين
- أسباب كثيرة قد تقود المراهق إلى التدخين من طريقة بريئة ولكنه يمكن أن يستمر لتصبح عادة سيئة لا يمكنه التخلي عنها
إعداد الكاتبة شذى الفوزان
يظل تعاطي التبغ ممثلا لمشكلة عالمية وتلك حقيقة لا تختفي بمرور الزمن، قد تختلف التفاصيل والأرقام والعادات المرتبطة بالتدخين ذهابا وإيابا مع مرور السنين إلا أن التبغ يظل أحد مصادر الضرر التي تؤذي الإنسان إيذاء يوصله إلى الموت حتى وإن كان موتا بطيئا.. إذ يعيش على كوكبنا ما يقرب من مليار مدخن من الذكور و250 مليون مدخنة من الإناث، من بين هؤلاء 99 ألف طفل تقل أعمارهم عن عشر سنوات يدخنون بشراهة! وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية، حملة عالمية تمتد عاما كاملا من أجل مساعدة 100 مليون شخص على الإقلاع عن التدخين تحت شعار «التزم بالإقلاع عن تعاطي التبغ أثناء جائحة كوفيد-19»، من خلال إطلاق الإصدار الجديد من «تحدي الإقلاع» على تطبيق واتساب ونشر أكثر من 100 سببا للإقلاع عن تعاطي التبغ».
تأثيرات تلك المشكلة تكون أكثر حدة وأشد تدميرا عندما ترتبط بالأطفال والمراهقين. وفي هذا الصدد تشير الدراسات الإحصائية الأخيرة لوزارة الصحة الكويتية إلى أن نسبة تدخين طلبة المدارس في الكويت للسجائر والشيشة الإلكترونية بلغت 2.7% بواقع 3.1% من الذكور و2.3% من الإناث.
وفي اليوم العالمي لمكافحة التدخين الذي يوافق 31 من مايو، نقف عند واقع تدخين الأطفال من خلال عدة نوافذ نسلط عبرها الضوء على الدوافع النفسية للطفل والمراهق نحو التدخين، ومدى إمكانية إقلاعه السريع، وطبيعة حالته الصحية ومدى سعي بلادنا إلى استصدار قوانين لتجريم تدخين الأطفال.
قوانين عقوبات التدخين.. نداء وتمنٍّ
كثير من الدول أصدرت قرارات أو سنت قوانين بحظر التدخين في الأماكن العامة ووسائل المواصلات وغيرها، مجهودات الكويت في هذا الإطار مشهودة وأصبحت أكثر وضوحا مع صدور قانون 42 لسنة 2014 وهو قانون حماية البيئة الذي احتوى مادتين تنظمان الأحكام المتعلقة بحظر التدخين وهما المادة رقم 56 والمادة رقم 138.
لكن يبقى الأمل قائما أن يكون هناك قانون أو مادة في قانون تنص على عقوبات تجرم تدخين الأطفال والمراهقين حتى يكون لدينا القدرة على منع الضرر قبل وقوعه ومعالجة المشكلة من الجذور. والمقترح هنا أن يتم استدعاء أولياء أمور الأطفال المدخنين ويكون القانون قد حدد لهم شكلا من أشكال العقوبة الاجتماعية التي تدفعهم نحو مزيد من الاهتمام بأبنائهم.
المراهقون المدخنون.. صحتهم على المحك!
الأطفال والمراهقون عادة ما يكونون فريسة أسهل من غيرهم لمخاطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، التي من الممكن أن ترافقهم إلى مراحل متقدمة من العمر، أما تطور الأدمغة والنمو الطبيعي فهما في مواجهة خطورة أعلى.
يرى شارون ليفي، مدير برنامج تعاطي وإدمان المراهقين للمواد الكيميائية في مستشفى بوسطن للأطفال والأستاذ المشارك في طب الأطفال في كلية الطب بجامعة هارفارد، أنه وفقا للجرعة يمكن أن يتسبب النيكوتين والمواد الكيميائية الأخرى في أجهزة التدخين الإلكتروني (فيب) للأطفال والمراهقين على وجه الخصوص في تلف الرئة وصعوبة التركيز وأعراض الاكتئاب ونمو الدماغ بشكل غير طبيعي والعنف مما يعمق من سلبية الظاهرة.
السجائر الإلكترونية.. الوهم الذي نعيشه!
تعد ظاهرة التدخين الإلكتروني E - Cigarette من الظواهر الحديثة نسبيا، حيث تعطي نكهة مشابهة ونفس إحساس التدخين.
وربما يعتقد البعض أن التدخين الإلكتروني خطوة جيدة للإقلاع عن التدخين، ولكن التجربة تقول إنه قد يصبح إدمانا في حد ذاته، ربما بشكل أكبر من السجائر العادية. والتدخين الإلكتروني ليس آمنا من الناحية الصحية كما يظن البعض حتى أنه هناك بعض البلدان التي منعت تداول استخدامه أخيرا.
وتزداد خطورة السجائر الإلكترونية على صحة الطفل حيث إن المخ في مرحلة النمو يكون شديد الحساسية للنيكوتين ويمكن أن يحدث تلف في خلايا المخ التي مازالت في طور التكوين.
وقد أكد الباحثون أن التعرض للنيكوتين في مرحلة مبكرة في الطفولة يؤدي بالضرورة إلى تراجع في وظائف التنفس، ويمكن أن يكون هذا التراجع طفيفا للغاية ولا يؤثر بالضرورة بصورة واضحة على صحة الطفل وحدوث أعراض ولكن على المدى الطويل سوف يحدث التراجع.
وربط بعض الباحثين بين التدخين الإلكتروني وحدوث أمراض في الجهاز العصبي أهمها مرض فرط النشاط ونقص الانتباه ADHD.
ومن الأعراض التي رصدها المتخصصون لإدمان الأطفال للسجائر الإلكترونية: القلق، والتشتت، والصداع، وآلام في المعدة، وأحيانا زيادة العطش، بالإضافة إلى نزيف في الأنف، وتغيير في الحالة المزاجية.
المراهق والتدخين.. عوامل الإقلاع
يرى باحثو جمعية «أطفال بلا تبغ» الأميركية أن الإقلاع عن التدخين يرتبط بدرجة كبيرة بنسبة إدمان الشخص له، وفي دراسة أجرتها الجمعية في مايو 2020 قد أفاد نحو نصف المراهقين الذين شملتهم الدراسة أنهم فكروا بجدية في الإقلاع عن التدخين، إلا أن نحو نسبة 25% أكدوا أنهم فشلوا في محاولتهم، وهو ما يعد أمرا خطيرا بالنسبة للمراهقين.
وقال ماثيو مايرز، رئيس الحملة، إن البحث الجديد الذي أجرته الجمعية عام 2020 هو «أوضح علامة على أنه بمجرد أن ينجذب الأطفال، فإنهم يدركون ما يحدث لهم».
ويشير مصطلح الإدمان إلى فقدان الشخص السيطرة على استخدام المواد ويرتبط بالتغيرات في «مركز المكافأة» في دماغك، بحسب ما قاله الدكتور شارون ليفي، مدير برنامج تعاطي وإدمان المراهقين للمواد الكيميائية في مستشفى بوسطن للأطفال والأستاذ المشارك في طب الأطفال في كلية الطب بجامعة هارفارد.
ويكون دماغ المراهقين أو الصغار في السن أكثر عرضة لهذه التغييرات من أدمغة البالغين.
وأوضحت الدراسة أنه «عندما تحدث هذه التغييرات، فإن الجزء العقلاني من الدماغ لاتخاذ القرار يفقد الأجزاء الأكثر فطرية».
العوامل التي تساعد الطفل أو المراهق على الإقبال على التدخين قوية إلا أن العوامل التي تساعده على الإقلاع هي أقوى.
ابني ذو التسع سنوات مدخن شره!
التقيت أمّا نجحت في أن تساعد ابنها الطفل الذي لم يبلغ بعد العشر سنوات على أن يقلع عن التدخين، وحين سألتها كيف استقبلت تلك الحقيقة أن ابنك في هذه السن ويدخن السجائر؟ فقالت: استقبلته بوقوفي على الحقيقة وهي أنني أنا وأبوه مقصران في حقه تقصيرا شديدا، فنحن أسرة متعلمة والحمد لله، أدركت أن الإهمال التربوي والسماح لمساحات التباعد الإنساني أن تمتد بيننا وبين أبنائنا لا يترتب عليها فقط أن يلجؤوا إلى التدخين بل يترتب عليها أيضا ضياع مستقبل وفقدان شامل للعلاقة مع الأبناء. استطردت الأم: نعم أنا نجحت في مساعدة ابني أن يقلع عن التدخين لكن تظل الرحلة طويلة في أن أستعيده هو شخصيا وأن أعيد إليه طفولته التي فقدها بسبب انشغالي أنا ووالده عنه.
لماذا يلجأ المراهق إلى التدخين؟
هناك أسباب كثيرة قد تقود المراهق إلى التدخين، وقد يبدأ تدخين المراهق بطريقة بريئة ولكنه يمكن أن يستمر ليصبح عادة سيئة لا يمكنه التخلي عنها.
والواقع يقول إن معظم المدخنين البالغين بدأوا التدخين في سن صغيرة، معتقدين أن التدخين يدخلهم عالم الكبار بسرعة أكبر، وإليك أهم أسباب التدخين عند المراهقين:
٭ الرغبة بالظهور بسن أكبر، حيث إن المراهق لا يدخر وسيلة في تقليد الكبار، فيظن أنه يشعر برجولته عندما يقوم بالتدخين.
٭ تصور أن هذه العادة تعطي صاحبها نوعا من الاستقلالية، أو «البرستيج» والرقي الاجتماعي، حيث يبدو أكثر جاذبية عند حمله السيجارة.
٭ اعتقاد أن التدخين قد يكون حلا لبعض الضغوط النفسية أو الاجتماعية أو المرضية.
٭ تخيل أن التدخين يمنح صاحبه مظهرا من مظاهر التحضر.
٭ مصاحبة رفقاء السوء، حيث إن المعروف أن الأصدقاء يتشاركون في عاداتهم وسلوكياتهم.
٭ اعتقاد أن التدخين يقلل من حدة القلق والتوتر.
٭ التفكك الأسري وغياب دور الأسرة الفعال في توجيه المراهق.
٭ هناك من يرى أن التدخين هو رد الفعل المناسب تجاه العنف من أحد والديه أو كليهما.
٭ هناك من يدخنون لوقوعهم في فخ إعلانات الدعاية للسجائر.
٭ وجود مدخن من بين أفراد الأسرة وهو ما يزيد من إقبال المراهق على التدخين.
خسائر بشرية فادحة
عالميا، يودي وباء التبغ العالمي بحياة ما يقرب من 6 ملايين شخص سنويا، منهم أكثر من 600000 شخص من غير المدخنين الذين يموتون بسبب استنشاق الدخان بشكل غير مباشر. وإن لم نتخذ التدابير اللازمة فسيزهق هذا الوباء أرواح أكثر من 8 ملايين شخص سنويا حتى عام 2030. وستسجل نسبة 80% من هذه الوفيات التي يمكن الوقاية منها في صفوف الأشخاص الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ويكمن الهدف النهائي لليوم العالمي للامتناع عن التدخين في المساهمة في حماية الأجيال الحالية والمقبلة من هذه العواقب الصحية المدمرة، بل وأيضا من المصائب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية لتعاطي التبغ والتعرض لدخانه.
إلى شركات التبغ.. أنتم أعداؤنا
نعلم جميعا أن مسألة تصنيع التبغ قد تجاوزت مرحلة المطالبة بمنعها بشكل عام، وحتى التضييقات التي وضعتها بعض اللوائح والقوانين على هذه الصناعة عادة ما يكون تأثيرها وقتيا غير مستمر. وما زالت إعلانات صناعة التبغ ودعاياتها لها تأثير شديد بخاصة على الأطفال ومازالت تلك الدعاية تحقق أهدافها وتجذب عددا كبيرا عاما تلو عام.. فشركات صناعة التبغ تعلم جيدا أن هناك من يقلع عن التدخين ولذا فهي تسعى بحرص على أن يحل محل هؤلاء المقلعين مدخنون جدد حتى تستمر تجارة التبغ في ازدهار! ونحن نرى أمام أعيننا أن مجهودات الدول حول العالم حيال هذا الأمر لا تؤدي أبدا إلى منع هذه الصناعة أو إيقافها، فشركات التبغ ترفع الشعار وإن كان ضمنيا وغير ظاهر وهو أننا أعداء لكم وسنظل خلفكم لنقنعكم بما نريد لذا علينا جميعا أن نتعامل مع هؤلاء أيضا على أنهم أعداء لنا يسعون إلى تدمير صحة أبنائنا.. يظل الباب الوحيد مفتوحا وهو دورنا نحن في توعية المجتمع بمخاطر تلك الآفة الكبرى. نعلم الحديث عن أضرار التدخين والأمراض التي يؤدي إليها صار حديثا مستهلكا ومكررا، ولذا فواجب الوقت الآن هو التصرف العملي الذي يبدأ من بيوتنا نحن ومن جهدنا التربوي الذي يجب ألا ينقطع تجاه أبنائنا لنحميهم من تجار الموت.