- حسين العصفور: ازدياد قضايا القتل لأسباب متعددة منها عدم تطبيق عقوبة الإعدام ونحتاج إلى نشر التوعية والثقافة القانونية بين أفراد المجتمع بشكل أكبر
- حمد العسلاوي: ندق ناقوس الخطر بوجوب تعزيز الحكومة دور الرعاية الاجتماعية بمختلف قطاعاتها ودعم الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين مادياً ومعنوياً
- ناصر السهو: للعنف أسباب كثيرة كتعاطي المخدرات والكحوليات التي تضعف قدرة الإنسان على التحكم بانفعالاته وتفجّر لديه السلوك العدواني ضد أسرته والمجتمع
- مبارك الحربي: ضرورة الاهتمام بالجانب التربوي للأبناء في الأسرة والمدرسة ومراقبة السلوكيات الخاطئة ومتابعتها من الأخصائيين لإيجاد الحلول العلاجية لها
آلاء خليفة
ارتكاب جرائم القتل أمر موجود منذ القدم وفي جميع المجتمعات، لكن الغريب في الأمر كثرة ارتكاب الجرائم القتل في الكويت مؤخرا إضافة إلى البشاعة في طرق ارتكابها، والتي كانت آخرها جريمتا «العارضية» و«الدوحة» التي راح ضحيتهما أشخاص أبرياء لا ذنب لهم.
ولمتابعة هذا الموضوع قامت «الأنباء» بدورها الإعلامي بالتوجه إلى أصحاب الاختصاص في القانون وعلم النفس وعلم الاجتماع لمعرفة اسباب انتشار جرائم القتل بهذا الشكل المخيف، وطرح الدوافع وراء ارتكاب مثل تلك الجرائم، ومن المسؤول عن وقف هذه السيول من دماء الأبرياء الذين يذهبون ضحية جرائم بشعة وغريبة على مجتمعنا، مطالبين بزيادة الوعي المجتمعي وتفعيل القوانين وتطبيقها بشكل أكبر، وكذلك التأكيد على دور الأسرة والمدرسة في متابعة التغيرات السلوكية عند الأبناء وأفراد الأسرة جميعا للحد من إمكانية اللجوء إلى العنف ومحاربة انتشار المخدرات لما لها من تأثيرات سلبية وتغييب للعقل، واليكم التفاصيل:
في البداية، قال المحامي حسين العصفور لـ «الأنباء»: في الآونة الاخيرة زادت جرائم القتل في الكويت وخاصة بداية عام 2022 وبأرقام غير مسبوقة، موضحا انه في السنوات الماضية كانت تحدث جريمتان إلى 3 جرائم وبحد اقصى 4 جرائم، لكن في بداية عام 2022 حدثت العديد من الجرائم فاقت الـ 10 جرائم وهذا امر خطير جدا، موضحا ان ازدياد معدل الجرائم في الكويت بهذا الشكل يعتبر مؤشرا خطيرا ويجب ان يتم علاجه من قبل الدولة والجهات المعنية عبر تشديد العقوبات، من خلال الأمر الرئيسي القاضي بتطبيق عقوبة الإعدام ليكون ذلك رادعا لكل من تسول له نفسه أن يقوم بقتل إنسان آخر وإزهاق روح بريئة.
تطبيق الإعدام
وأردف العصفور: إذا تم تطبيق عقوبة الإعدام في الكويت لكان هناك تطبيق صحيح للقانون، لافتا إلى أن قانون الكويت يتضمن عقوبة الإعدام لكن لا يتم تطبيقها، مما جعل بعض ضعاف النفوس من الناس أكثر استهتارا ويقدمون على ارتكاب الجرائم بكل وحشية، مشيرا إلى غياب الوازع الديني عند الكثيرين مما جعل عدد جرائم القتل يشهد ازديادا.
وشدد العصفور على اهمية دور المجتمع في التثقيف، مطالبا وزارة الإعلام ووسائل الإعلام المختلفة بالقيام بدورها في تثقيف المجتمع ونشر الثقافة القانونية وتنمية الوازع الديني كذلك، موضحا ان التشريعات الحالية كافية وتتضمن جميع العقوبات ومنها «المؤبد» و«الإعدام»، لكننا بحاجة إلى تفعيلها وتطبيقها على أرض الواقع، والتشريعات الحالية تتضمن عقوبات لكل جرائم القتل سواء «القتل العمد» أو «ضرب أفضى إلى موت» أو غيرهما من الجرائم.
ونبه العصفور إلى أهمية الدور الأمني في المجتمع لمواجهة مثل تلك الجرائم من خلال نشر الثقافة القانونية، وان تكون هناك رقابة كبيرة في المجتمع لاسيما بعد ازدياد الجرائم في الآونة الأخيرة، مؤكدا على ضرورة التصدي للمخدرات والمؤثرات العقلية التي تعتبر سببا كذلك وراء ارتكاب العديد من جرائم القتل في المجتمع.
زخم إعلامي
بدوره، ذكر أستاذ الخدمة الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.حمد العسلاوي لـ «الأنباء»، ان جرائم القتل التي نشاهدها في بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والتي تدمي القلب حقيقة هي ليست الوحيدة، لكنها تسترعي انتباهنا بسبب بشاعتها والزخم الإعلامي حولها، لكن في الحقيقة هناك العديد من قضايا القتل التي لا يسلط الإعلام الضوء عليها، وهي ان هناك حالة إلى حالتي قتل شهريا تحدث في الكويت باكتشاف جثث لأشخاص في أماكن مهجورة ومعزولة أحيانا مثل الساحات الترابية الكبيرة ومناطق البر.
وأضاف د.العسلاوي: قد تمر مثل هذه الأخبار المتعلقة بالجرائم بشكل عابر ومن دون زخم إعلامي ودون استمرار التحقق الإعلامي في مثل تلك القضايا والوقوف على أسبابها وقصصها، ونلاحظ أن هذه القضايا واكتشاف الجثث تكثر خصوصا في موسم الشتاء عند نزول الأمطار، حيث تجرف المياه تلك الجثث وتظهرها على السطح أو يجرفها السيل إلى المناهيل في الطرق وتقف هناك عالقة ويكون ذلك سبب التعرف على أن هناك جريمة قد وقعت.
أسباب متعددة
واشار د.العسلاوي إلى ان هناك العديد من تلك القضايا التي لا ينتبه إليها الناس ولا توجد متابعة إعلامية للكثير من القضايا، ونحن كمراقبين اجتماعيين نراقب مثل تلك القضايا والتي يعود معظمها الى نساء وتكون عليهن آثار تشير إلى أنهن كن ضحايا للقتل، لذلك يجب ألا تمر مثل تلك القضايا من دون متابعة والتحقق من ظروف وأسباب موت هؤلاء الضحايا لتوفير الحماية والوقاية للنساء اللاتي يعشن الظروف نفسها ويطلبن المساعدة حتى لا ينتهي بهن الحال إلى المصير نفسه.
وتابع قائلا: أما فيما يخص اسباب القتل فلا يمكن ارجاع الأمر إلى سبب واحد، ولا يمكن تفسير أي سلوك انساني من جهة أحادية المنظور، فسلوكيات الانسان عادة تنتج عن مجموعة من العوامل التي تتفاعل مع بعضها البعض بطريقة ديناميكية لتنتج السلوك، لذلك أسباب القتل بناء على الدراسات السابقة متعددة، لكن أهمها أو اكثرها شيوعا هو الاعتلالات النفسية وتعاطي المسكرات والمخدرات، والشخص الذي لديه استعداد جيني للإصابة ببعض الأمراض النفسية والعقلية تكون لديه فرصة الإصابة أكبر من غيره، والامراض النفسية والعقلية تحتاج بعضها إلى العلاجات التقليدية وهي الادوية، وتحتاج ايضا إلى الاستشارات النفسية والاجتماعية.
دراسات دورية
وأوضح العسلاوي ان بعض الامراض النفسية قد تحتاج فقط إلى الجلسات النفسية والاجتماعية، لكن عند عدم الاهتمام بتلك الامراض قد تؤول بصاحبها إلى التوجه بمعالجتها بنفسه بطرق التكيف غير الصحية وغير السوية عن طريق تعاطي المسكرات والمخدرات، كما ان ذلك قد يؤدي بصاحبها بنسبة كبيرة إلى ان تتطور لديه بعض الأمراض النفسية والعقلية، لذلك فإننا وعبر «الأنباء» ندق ناقوس الخطر بوجوب أن تعزز الحكومة دور الرعاية الاجتماعية بمختلف قطاعاتها من خلال دعم اصحاب هذه المهن (الاخصائيين النفسيين والاجتماعيين) ماديا ومعنويا، وتمكينهم في عملهم من القيام بأدوارهم بشكل حقيقي وفعال دون تكليفهم بمهام رتيبة غير داخلة في تخصصهم، وعلى الحكومة دعمهم في اجراء الدراسات الدورية لمختلف الفئات حتى توفر الحماية والوقاية من خلال التدخل العلاجي المبكر كل على حسب حالته، وعمل برامج تثقيفية توعوية، ترفع من كفاءة ورفاهية المجتمع في معرفة الامراض النفسية والعقلية والاجتماعية وتوفير مصادر المساعدات المهنية لهم بشكل واسع في كافة القطاعات والمناطق. فعلى سبيل المثال، لو كان هناك اخصائيون اجتماعيون ونفسيون على كفاءة عالية متاحين في مستوصفات المناطق ويعملون جنبا إلى جنب مع الاطباء والممرضين، كما هو معمول في الدول المتقدمة، وتثقيف الناس للجوء لهم لأي مشكلة «نفسية ـ اجتماعية» تعتريهم، لكانوا قد أنقذوا العديد من الناس الذين يفتقرون إلى مصادر المساعدة المتاحة لأسباب مادية، أو اجتماعية، أو ثقافية وغيرها من الأسباب التي تحول دون مساعدة هؤلاء الناس، ومن ثم تقع الكارثة.
تعريف العنف
من ناحيته، اوضح استاذ علم النفس التربوي في كلية التربية الاساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د.ناصر السهو لـ «الأنباء» انه تم تعريف العنف من قبل الاعلان العالمي لمناهضة كل اشكال العنف بأنه اي اعتداء ضد الانسان مبني على اساس الجنس والذي قد يتسبب في إحداث ايذاء أو ألم جسدي جنسي أو نفسي، ويشمل كذلك التهديد والضغط والحرمان التعسفي للحريات سواء كان هذا حدث في اطار الحياة العامة أو الخاصة.
واردف السهو: ومما لا شك فيه اننا ـ مع الاسف الشديد ـ نلاحظ ان المجتمع اليوم يشهد حالات عنف كثيرة جدا وميل بعض الناس سواء رجال أو نساء إلى قضية معالجة مشاكلهم الخاصة من خلال العنف لاسيما قضايا القتل البشعة التي اصبحت ترتكب في المجتمع في الآونة الاخيرة، موضحا ان القتل ذنبه عظيم عند الله عز وجل ومن الامور التي حرمها الله فلا يجوز قتل المسلم والاعتداء عليه مهما كانت الاسباب.
السيطرة على الانفعالات
وذكر د.السهو ان العنف له اسباب كثيرة جدا منها تعاطي المخدرات وشرب الكحوليات بما يضعف من قدرة الانسان على السيطرة على انفعالاته، وقد يتفجر لدى الانسان السلوك العدواني ضد افراد أسرته وافراد المجتمع والشعور بالانكسار.
واشار السهو إلى ان عدم سيطرة وزارة الداخلية مع الاسف بشكل كامل على موضوع ترويج المخدرات وانتشاره في المجتمع يعتبر اخفاقا كبيرا جدا وتهديدا للامن الاجتماعي.
واوضح السهو ان من اسباب العنف كذلك هو آلة الإعلام التي انحرفت في الحقيقة في تحقيق اهدافها، موضحا انه يفترض ان هناك رسالة لوسائل الإعلام من خلال معالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع، ولكن ـ مع الاسف ـ اصبح الإعلام يركز على قضية الانحراف الاخلاقي والعنف الأسري والظلم الموجود في الأسر بما دفع بالناس لمعالجة مشاكلهم من خلال ما يشاهدونه على شاشات التلفاز.
واردف: اطالب وزارة الإعلام بتعديل رسالتها الإعلامية والتركيز على التعامل بالرفق واللين مع افراد الاسرة والمجتمع، وكذلك الحذر من المسلسلات التي تدعو إلى الظلم والعنف الذي انعكس سلبا كما نرى على بعض افراد المجتمع.
الغيرة والشك
واشار د.السهو إلى مسألة الغيرة والشك بين الزوجين الذي اصبح يدفع في الحقيقة بكل قوة إلى استخدام العنف ضد الطرف الآخر، موضحا ان ما يتعلق بسيكولوجية الرجل العنيف وما يتصف به الشخص العنيف هو الانخفاض الكبير في تقدير الذات بل فقدانه لمهارات تأكيد ذاته، فهو لا يستطيع ان يؤكد ذاته أو يثبت نفسه الا من خلال أسلوب العنف، بالاضافة إلى ذلك التجارب الأليمة التي مر بها الانسان والخبرات المؤلمة التي تعرض لها عبر حياته من صور ايذاء نفسي أو جسدي تنعكس جميعها بشكل خطير على تعاملات الانسان في حياته اليومية.
وبين ان هناك بعض الاشخاص الذين يعانون من عدم القدرة على تحمل المسؤوليات، ويظهر ذلك من خلال الانسحاب الكبير لهم في بعض المواقف وافتقادهم لاسلوب حل المشكلة بشكل عقلاني مما يؤدي بالنهاية إلى رغبة الفرد في انهاء هذه المشكلة باستخدام العنف.
سلوكيات الأبناء
من جانبه، دعا الخبير التربوي والأكاديمي مبارك الحربي إلى ضرورة الاهتمام بالجانب التربوي للأبناء سواء في الأسرة أوالمدرسة، وكذلك خلال تواجدهم في الأماكن العامة وتصرفاتهم، ومراقبة السلوكيات الخاطئة إذا ما تمت ملاحظة أي تغيرات في نفسياتهم وطرق تعاملهم مع الآخرين من الإخوة والأصدقاء وزملاء الدراسة، وأيضا مدى تغير علاقتهم بوالديهم ومعلميهم، ومتابعتها من الأخصائيين لإيجاد الحلول العلاجية لها.
وأشار الحربي إلى أن وقوع الجرائم في أي مجتمع أمر وارد وطبيعي، لكن إذا ارتفعت نسبتها فلابد من الانتباه من جميع المعنيين بدءا بالجهات الحكومية ممثلة بوزارة الداخلية وزيادة مراقبتها والتواجد الأمني في جميع الأماكن المتوقع حدوث حالات عنف فيها، وكذلك وزارة التربية بالتدقيق أكثر على سلوكيات التلاميذ، خصوصا الذين لديهم ميول عدائية تجاه الآخرين، ويجب أن يكون هناك دور أكبر للأخصائيين الاجتماعيين في جميع المدارس وأن يكون هناك تواصل دائم مع الأهل، وأيضا دور الأسرة التي يقع عليها أيضا عبء كبير ومسؤولية مباشرة بمعرفة تصرفات أبنائها فلأم والأب أكثر من يمكن أن يلاحظ أي تغير سلوكي عند أبنائهما، وبالتالي فالمسؤولية متكاملة وعلى عاتق الجميع.
وبالنسبة لارتفاع نسبة الجريمة، أشار الحربي إلى أن هناك بعض العوامل الاجتماعية والنفسية والتربوية تلعب دورا كبيرا في عدم الوعي وانتشار العنف، إضافة إلى بعض المؤثرات النفسية التي تحدث تغييبا للعقل كتعاطي المخدرات وشرب الكحول حيث تذهب العقل، وهنا لا بد من تحفيز الوازع الديني لدى الناس بشكل أكبر والتوعية القانونية والأخلاقية للحد من وقوع الجرائم خصوصا تلك البشعة التي باتت تحدث ضمن نطاق الأسرة والأصدقاء.