محمد هلال الخالدي
صدر مؤخرا عن دار كلمات للنشر والتوزيع كتاب جديد للدكتورة عروب الرفاعي، سيكون بلا شك إضافة حقيقية للمكتبة العربية، بما يحمله من أصالة وفكر، يتطرق بعمق لقضايا وهموم المرأة بصورة عامة، والمرأة المسلمة بصورة خاصة، كما يضم العديد من المواضيع الأخرى في مجالات الحياة الإنسانية، في السياسة والاقتصاد والثقافة والعمل التطوعي والخيري في جمعيات النفع العام كما يضم نقدا موضوعيا للتيارات السياسية والإسلامية منها على وجه الخصوص.. إضافة إلى مقالات خاصة جدا في نهاية الكتاب تحمل من المشاعر ما لا يمكن وصفه بالكلمات، ومن الإيمان ما لا يمكن تجاوزه دون تأثر واقتداء.
قد يظن القارئ للوهلة الأولى أن الكتاب موجه للمرأة، إذا ما تصفح العناوين أو أطل سريعا على فهرس المحتويات، غير أن التعمق في قراءة الكتاب ستؤدي بلا شك إلى إدراك أهمية قراءته من قبل الرجال قبل النساء، لا من أجل ترسيخ التفاوت بين الجنسين، وليس تعصبا لجنس دون آخر بالتأكيد، وإنما لما يحتويه الكتاب من رسائل ومفاهيم ومشاعر وآفاق حول العلاقة بينهما، فالكتاب يضع القارئ في مواجهة مباشرة مع مشاعر قد يعرفها ويراها ويسمع عنها بشكل يومي، لكنه أبدا لم يألفها ويتعمق بها ويدركها بهذا الوضوح والصراحة المباشرة.
هكذا، حين تتحدث عن مصطلح «العانس» الذي تصفه المؤلفة بأنه «غير مؤدب»، وحين تتحدث عن المطلقة ونظرة المجتمع الظالمة إليها، وبعد أن تدخل في تحد جديد ومسؤوليات كبرى تكون فيها بحاجة إلى سند وعون، لا إلى مزيد من الإرهاق والتعسف، وعن الأرملة وعن الأم والزوجة والموظفة.. عن المرأة البدوية التي تحطب وتنسج بيت الشعر وتحلب الإبل وترعى الغنم وتوفر الطعام لأفراد أسرتها بكل همة ومودة وحب ينسيها تعب النهار ومشقة العمل.
وعن المرأة في الريف ومتاعبها وأعبائها التي تبدأ مع لحظات الفجر الأولى، ولا تنتهي إلا بنهاية اليوم، من بذر وحرث وري وحصد وطبخ وعناية بالزوج والأولاد، والمرأة في المدينة العصرية، ومعاناتها في العمل ومعاناتها مع آلاف النماذج والصور من التمييز العنصري البغيض.
«بقلم مختلف»، كتاب مختلف حقا، يأخذ القارئ في رحلة عقلية عميقة حول قضايا وهموم كثيرة، نشعر بها ونكابدها كل يوم عن الأمومة وعن تربية الأبناء وعن حقوق النساء في ألا نخجل من ذكر أسمائهن الحقيقية، كأبسط الحقوق التي أكدها الإسلام حتى ان المجتمع الجاهلي مارسها بكل فخر، في حين تراجعت كثير من مجتمعاتنا العربية وتخلفت لمستويات أدنى من الجاهلية في كثير من تعاملاتها مع المرأة اليوم.
قد تجد النساء في الكتاب شيئا من المواساة والدعم لا شك، لكنه بالتأكيد سيترك أثرا أعمق في الرجال، بما يحويه من حديث صادق حول مشاعر لم يألفها عن المرأة، وعن الزوجة بشكل خاص.
*****
يقع كتاب «بقلم مختلف» في 264 صفحة من القطع المتوسط، بغلاف جميل من تصميم منيرة القناعي، والتي أبدعت في إعطائه لمسة نسائية جميلة وبألوان زاهية تخبر القارئ بمجرد النظر أن الكتاب عن المرأة.
ويضم فهرس المحتويات عناوين رئيسية تندرج تحت كل منها مجموعة من المقالات، تبدأ بالمقالات الاجتماعية و«نظرة مختلفة لقضايا المرأة»، البيت والأمومة والتربية، المرأة والعمل، ثم المقالات السياسية مع المرأة بين الانتخاب والترشح، المرأة في البرلمان، شذرات سياسية، المرأة وقضايا إسلامية، قضايا في عالمنا الإسلامي، خطاب محب للتيارات الإسلامية، ثم مقالات «المرأة وأحاديث منوعة» والتي تضم عدة مواضيع حول عمل المرأة في سلك الشرطة والعمل التطوعي والرياضة وغيرها.
والجزء الأخير من الكتاب بعنوان «مقالات خاصة جدا»، وفيه مقالان الأول بعنوان «في الأربعين»، يتناول تدرج الإنسان في العمر وطبيعة كل مرحلة، مع وقفة رائعة عند سن الأربعين، والتي وصفتها المؤلفة بوصف أدبي ساحر، حيث كتبت «في الأربعين يشعر الواحد منا وكأنه على قمة جبل، ينظر إلى السفح الأول فيرى طفولته وشبابه ويجد مذاقهما لايزال في أعماقه، وينظر إلى السفح الآخر فيجد ما تبقى من مراحل عمره ويدرك كم هو قريب منها.
إنه العمر الذي يكون الإنسان قادرا فيه على أن يفهم كل الفئات العمرية ويعايشها ويتحدث بمشاعرها».
وفي المقال الثاني «رحل محمد وترك فؤادي فارغا»، تفجعك المؤلفة مع أول سطر، تفجر فيك كل الحزن المكبوت والمتراكم عبر السنين، بحديثها العفوي عن تجربتها مع موت ابنها محمد رحمه الله.
مقال عميق يكشف ضعفنا البشري الهزيل أمام الموت، لا بوصفه حقيقة كونية فحسب، وإنما من خلال تجربة الفقد والفراق بكل آلامه وبؤسه وأحزانه.
ثم ما تلبث أن تبهرك من جديد بقوة الإيمان بالله ـ عز وجل ـ والرضا بقضائه حيث تقول: «أما الحديث عن مشاعري ومشاعرنا كأسرة ونحن نفقد شابا في السابعة عشرة من عمره فلا أجد الكلمات القادرة على حمل أحزاننا، ولقد ثبتني الله حين ظلت كلمات الحبيب المصطفى تتردد في أذني كجرس ينبهني (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الله، إنا لله وإنا إليه راجعون)».
مقتطفات من الكتاب
تعلمت من ثورة الياسمين
«بداية لا أدري كيف استطاعت انتفاضة تونس أن تجمع في اسمها بين الثورة والياسمين، إذ الثورة قاسية ورائحتها دماء وسمتها الغضب، بينما الياسمين رقيق ورائحته عطرة وسمته الهدوء. ولعل من أطلق على أحداث تونس هذا الاسم كان يتمنى من تلك الثورة أن تبذر بذور الياسمين حيثما تحركت.. هذه الثورة العاصفة المفاجئة الرائعة أذهلتني، وكذلك أسعدتني وهي تحمل وعود الحرية والكرامة لشعب تونس الشقيق.
تعلمت من هذه الثورة درسا مهما شغل تفكيري وهزني من أعماقي. الدرس أنه بقدر ما علمونا أن التخطيط والتنسيق والتدبير ضروري لنجاح أي تحرك أو مشروع، فإن ثورة تونس نجحت دون تخطيط أو تدبير أو تنسيق..».
علموا أبناءكم حب الوطن
«مضت علينا سنوات ونحن نتحدث عن حب الوطن على أنه فطرة لا تحتاج إلى أن نعلمها لأبنائنا، وكل ما علينا أن نعلمه لهم هو كيف يعبرون عن هذا الحب ويعلنونه.
اليوم نحن نعيش في زمان نحتاج فيه إلى أن نعلم أبناءنا كل ما كنا نعتقد بفطريته، سواء كان حب الوطن أو حب الوالدين أو حب الأقارب، إنه زمان عجيب.. علينا أن نعلمهم احترام الرموز، فالعلاقة بالوطن ليست فقط علاقة قانونية ورسمية، بل هي علاقة حب واحترام نعبر عنها لرموز الوطن، ولا رمز كالعلم والأمير».
المطلقات الصغيرات
«.. إن المطلقة الصغيرة قد تعاني من قضيتين، الأولى تقبلها لفكرة العودة إلى بيت والديها مرة أخرى بعد أن كانت مستقلة في بيتها وقرارها، والثانية تحول نظرتها إلى طفلها من نظرة الأم الفرحة الفخورة بإنجابه، إلى أم «متورطة» بطفل صغير يعوقها عن أي مشروع زواج قادم، بل ويذكرها بالتجربة الفاشلة التي ارتبطت بها».
الحلقة الأضعف
«.. يعتقد البعض أن المرأة بحاجة إلى توجيه خطاب خاص بها، حتى عندما يكون مضمون الخطاب عاما؟ لا أخفيكم أننا كنساء أرهقنا مما سمعناه من مئات المواعظ والخطب المخصصة لنا، والتي لا نجد ما يقابلها من مواعظ للرجال، حتى كأننا كنساء أضعف فهما وأحوج للتكرار».
ما تعلمناه من تجربتنا البرلمانية الأولى
«انتهت الانتخابات وضجيجها وصخبها، وبقي لنا ما تعلمناه واكتسبناه من خير كثير، والحقيقة أنني كنت أتابع هذه التجربة بقلق كبير، لأننا عندما طالبنا بإعطاء المرأة حقها السياسي، كان هناك من يخوفنا بالأثر السلبي لممارسة المرأة لحقها على المرأة نفسها والأسرة، ويؤكد أن هذا الحق لن يغير في وضع المرأة وليست له قيمة.. ولكن ولله الحمد فقد ثبت العكس تماما».
أي خلل في فهم ما تريده المرأة لن يكون في مصلحة المجتمع
الرفاعي: بعض قضايا المرأة لم تكتب بقلم منصف
مسعد حسني
كشفت الكاتبة الزميلة د.عروب الرفاعي عن ان ما تضمنه كتاب «بقلم مختلف» جاء خلاصة تجارب امتدت على مدى نحو 10 سنوات، لافتة إلى أن لكل مقال قصة بالنسبة لها.
وفي لقاء تلفزيوني أجري معها خلال مشاركتها في معرض الشارقة، ذكرت الرفاعي أنه من محاسن الأقدار أن كتابها «بقلم مختلف» أول ما صدر تم عرضه مباشرة في معرض الشارقة للكتاب قبل أن يوزع في الكويت، أو حتى يراه الأهل والأصدقاء.
وعن تلمسها لقضايا المرأة وإلمامها بكل تفاصيلها، أوضحت أن اقترابها من الجمعيات النسائية جعلها قريبة من قضايا المرأة، سواء كانت فتاة أو زوجة أو أما، وكذلك تجارب الأم كدارسة وموظفة وعاملة وناشطة، وهو ما أثرى هذا الكتاب، «فقضايا المرأة كثيرة، وبعضها لم يكتب بالقلم المنصف للمرأة، فبدأت أكتب في الصحف الكويتية من 2010 مقالات، حاولت خلالها تنبيه الناس إلى انه هكذا تفكر المرأة، وهكذا تنظر إلى الأمور».
وعند سؤالها عن انحيازها للمرأة وقضاياها كما يبدو من محتوى الكتاب، ردت الرفاعي قائلة: لا أنحاز إلى المرأة وإنما أنحاز لمجتمعي، فأي خلل في قضايا المرأة أو في فهم ما تريده، فإنه لا يكون من صالح المجتمع، بمعنى أننا لو تجاهلنا الحديث بوضوح عن كيفية نظر المرأة للأمور كشريك في المجتمع، فإن المجتمع كله سيتأثر، لذا آن الأوان، خاصة أننا في عصر المرأة، وما دمت في عصر المرأة فلابد أن تسمع المرأة في المجتمع العربي والخليجي، ماذا تقول؟ لذا ذهبت لقضايا تقليدية تخص المرأة وطرحتها بقلم مختلف.
وأضافت الرفاعي أن الكتاب له عدة محاور عن المطلقة، كيف تشعر بالألم؟ ثم يأتي المجتمع ليزعجها أكثر، ذهبت الى المطلقة الصغيرة، والتي لم تتزوج ويزعجها المجتمع بمسمى «عانس».
ذهبت الى ربة البيت، والتي يظلمها المجتمع بقوله «لو كنت شاطرة شوية كنت اشتغلتِ»، وإلى الموظفة التي يقال لها «لو أنك أم حقيقية لقعدت لتربية أولادك». تكلمت عن الزوجة الأولى، عن الزوجة القلقة التي يهددها الزوج بين حين وآخر بقوله «سأتزوج أفضل منك أو أحسن منك»، ثم تناولت الاتهامات التي توجه إلى المرأة.
وأشارت د.الرفاعي إلى رد سابق لها في مقابلة تلفزيونية سابقة عن سبب تأخر إنجازات المرأة في المجالات السياسية، موضحة أن «المرأة لم تدخل هذا المعترك إلا قبل نحو 100 سنة، وقبلها كانت لا تنتهي من الإنجاب المستمر، لكن الآن أصبحت تتحكم في الحمل، وغير ذلك من الأمور، مشيرة إلى أنها عندما خرجت للمعترك وجدت كل الدنيا للرجل، وهناك مكان مخصص فقط للنساء، وكأن المرأة ضيفة، بينما العالم مفصل على مقاس الرجل، وجدتهم يتحدثون عن أن المرأة هي التي أخرجت آدم من الجنة وأنها «حنانة» فدافعت عنها.
بينت أن المرأة ليست حنانة بطبعها وإنما «الحنانة» صفة الطرف الضعيف ليحصل على ما يريده». ولفتت إلى ان هناك صفات رائعة لدى المرأة يجب ان نستفيد منها، فهي مصدر للعاطفة والدفء، وهذا ليس نقيصة وإنما مصدر قوة، ولابد أن نستثمر الصفات الجميلة لديها لفائدة المجتمع.
ولدى سؤالها عن موقع المرأة من مناصب اتخاذ القرار، أشارت د.الرفاعي إلى أن الاختيار يجب أن يكون للأكفأ، إلا أن الوصول إلى المناصب لا يخضع للكفاءات فقط، وإنما للكفاءات والخبرات التراكمية والعلاقات والقدرة على تسويق النفس، هي مجموعة مهارات، لذا تكلمنا عن نظام «الكوتا» لتخصيص مكان للمرأة.
ونفت صحة ما يقال عن أن الرجل أكثر مهارة من المرأة في الأمور التقليدية، مشيرة إلى أن المرأة طول العمر تطبخ من دون مقابل، أما الرجل فعندما ذهب إلى هذه الأمور ذهب إليها كوظيفة سواء كان طباخا، أو خياطا، أو غيرهما من المهن.
منيرة القناعي.. وإبداع التصميم
مصممة الغرافيك في مركز الكويت للفنون الإسلامية بالمسجد الكبير، منيرة نجيب القناعي، هي التي أبدعت التصميم الرائع لغلاف الكتاب. والقناعي حاصلة على بكالوريوس فنون جميلة bfa من جامعة الكويت تخصص graphic design سنة 2010. وهي تمارس التصميم من خلال العمل التطوعي والعمل الحر لأكثر من جهة حكومية وخاصة.
وتحرص القناعي على حضور دورات وورش فنية متعلقة بالتصميم والخط العربي الكلاسيكي والطباعي بشكل مستمر، وقد شاركت في ثلاثة معارض فنية في الكويت والإمارات العربية المتحدة.
للاطلاع على أعمالها: be.net/malqinaie
الرفاعي في سطور
عروب السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
حاصلة على الدكتوراه في الإدارة من جامعة برونيل، المملكة المتحدة، 2013.
ماجستير إدارة أعمال - جامعة الكويت 2006.
ماجستير مكتبات ومعلومات، جامعة الكويت 1998.
بكالوريوس علوم سياسية واقتصاد، جامعة الكويت 1986.
تشغل حاليا منصب مديرة المصادر الثقافية والعلمية، دار الآثار الإسلامية - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
تدرجت في عدة مناصب في وزارة الإعلام، ولها العديد من المشاركات الأكاديمية بالتعاون مع جامعة الكويت وعدد من المنظمات الدولية ومجلس الأمة ومنظمات المجتمع المدني في الكويت.
ناشطة في الشأن الاجتماعي والسياسي بصورة عامة، وفي شؤون المرأة بصورة خاصة.
لديها عضوية في عدد كبير من جمعيات النفع العام ومنظمات المجتمع المدني وأهمها: عضوة في الجمعية العمومية للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.
عضوة في مجلس أمناء المراكز الثقافية التابع للديوان الأميري.
عضوة في فريق المرأة التابع للجنة الدفاع عن حقوق الانسان في مجلس الأمة.
عضوة في فريق عمل دراسة مكانة المرأة العاملة في المناهج التعليمية والوسائل الاعلامية.
عضوة في الصندوق الوقفي لرعاية الأسرة التابع للأمانة العامة للأوقاف، عضوة في مجلس التربية الخاصة في وزارة التربية ممثلة عن وزارة الاعلام.
عضوة مؤسسة في الاتحاد النسائي الكويتي، عضوة في جمعية بيادر السلام النسائية.
عضوة في مؤسسة النادي الثقافي الإسلامي في مدرسة البيان الخاصة وغيرها من المشاركات الفاعلة في المجتمع.