أحمد صابر
برؤية ثاقبة، وأسلوب مبسط، وفكرة فريدة، خاض الكاتب الصحافي الزميل أحمد الهندال أولى تجاربه في عالم الإنتاج الثقافي والتأليف، ليصدر باكورة مؤلفاته «البرلمان.. المؤسسة والإنسان».
ويقدم الهندال في كتابه الذي يقع في 188 صفحة من القطع المتوسط شرحا تفصيليا حول مؤسسة البرلمان، بدأ من نشأتها وجذورها التاريخية في بريطانيا، كما يعطي صورة بانورامية شاملة عن التجربة الإنسانية في العمل البرلماني والمهارات والمؤهلات والقيم والسلوكيات التي يجب أن يتحلى بها المرشح أو النائب أيا كانت منطلقاته الفكرية او توجهاته السياسية، ويعقد مقارنات بين أساليب وخصائص وآليات عمل البرلمانات وأنظمة الحكم المختلفة في العالم، بالإضافة إلى إضاءات عن تاريخ الدستور الكويتي ونظام الحكم في البلاد.
ويستعرض المؤلف أبجديات العمل النيابي بمراحله المختلفة، آملا أن يكون الكتاب بداية لفهم جديد للمؤسسة التشريعية سواء عن طريق المشاركة فيها أو الرقابة التي تمارس عليها من الشعب، مقدما رسائل ونصائح مهمة للشباب الراغبين في الدخول لمعترك الحياة النيابية، مؤكدا أن العمل البرلماني ليس حكرا على أحد بعينه، كما أن القرارات الصادرة عنه تؤثر على الجميع بصورة مباشرة.
الأصول والقواعد
في الفصل الأول وتحت عنوان «الأصول قبل دخول البرلمان» يعرج المؤلف بأسلوب سلس على الأصول والقواعد الأخلاقية التي يجب ان يتبعها من يفكر في الترشح لمجلس الأمة من المنطلقات المهنية والخبرات الحياتية، مثل ممارسة الأنشطة الاجتماعية، والمشاركة في جمعيات النفع العام والأندية الثقافية والرياضية والنقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني الفعالة، ثم ينتقل بعد ذلك الى اسس تشكيل الحملات الانتخابية التي يقوم على أساسها المرشح بإيصال ما يريد من أفكار وتوجهات للناخبين ويحاول إقناعهم بأطروحاته السياسية، مشددا على ضرورة ان تكون تلك الرؤى شاملة لجميع الجوانب والقضايا المجتمعية سواء السياسية او الاقتصادية وغير ذلك.
وفي موضع آخر من الفصل ذاته يلفت الهندال الى الشروط القانونية الواجب توافرها في المرشح مثل شرط السن والحصول على درجة تعليمية معينة، وحسن السير والسلوك، ويختتم الكاتب الفصل الاول بإعطاء نبذة سريعة عما يجب ان يفعله المرشح عند اعلان نتائج الانتخابات، مشددا على ضرورة التحلي بالصبر والروح الرياضية والمنافسة الشريفة بين المرشحين.
الهدف الأسمى
وفي محاولة لتأصيل وتأطير السلوكيات الحميدة للنواب تحت قبة البرلمان يبدأ الهندال الفصل الثاني من الكتاب بالاشارة الى ان الحصول على المقعد النيابي ليس غاية في حد ذاته، وإنما الهدف الأسمى هو تحقيق أهداف وطموحات المواطن والمجتمع بصفة عامة، والقيام بالواجب الرقابي والتشريعي على اكمل وجه، لافتا الى الدور المهم الذي يقوم رئيس البرلمان في ادارة المؤسسة التشريعية، مبينا ان قوة شخصيته وأسلوبه في الإدارة يؤثران في آلية سير الجلسات وفق الأطر القانونية الصحيحة، ويسرد الكاتب في مبحث آخر من الفصل الاعمال المنوطة بالرئيس مثل تقديم الأسئلة لأعضاء الحكومة وكذلك الاستجوابات وكتب طرح الثقة، مشددا على ضرورة ان يتسم بالحيادية والانضباط والقدرة على ادارة الجلسات واللجان والاجتماعات البرلمانية، بالإضافة الى الإلمام بالقوانين واللوائح الداخلية، ومعرفة قواعد البروتوكول وعدم الزج بتفاصيل بالحياة الشخصية في الأمور السياسية.
التشريع
«دور النائب في نطاق التشريع»، أفرد المؤلف لهذا الجانب مساحة لا بأس بها من الكتاب وأولاه اهتماما كبيرا، حيث بدأ بتعريف الاقتراحات النيابية ومساهمتها في التشريعات، مركزا على الاقتراح بقانون، وهو الرغبة التي تصدر من عضو او مجموعة أعضاء بقصد إنشاء او تعديل حقوق او التزامات على الأفراد وتتم كتابتها وتقديمها، لتأخذ دورتها الاجرائية وتكون قانونا ساري المفعول في حال الموافقة عليها، ثم عرج على الاقتراحات في مجلس العموم البريطاني ليؤكد ان دور المجلس في اقتراح القوانين بدأ يتضاءل تدريجيا وأصبح يستغرق 75% من وقت الجلسات لمناقشة مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة، ثم يأخذ القارئ في جولة داخل أروقة برلمان فرنسا ليقدم لمحة سريعة عن الاقتراحات بقوانين في الدستور الفرنسي وكيفية تقديمها والمراحل التي تمر بها حتى تخرج في اطر سليمة قابلة للتطبيق.
ومن باريس حطت طائرة الهندال امام مجلس الأمة الكويتي، ليوضح ان دستور الكويت قد أعطى الحق في تقديم الاقتراحات بقوانين لطرفي العملية السياسية (الحكومة او البرلمان)، مشيرا الى ان اللائحة الداخلية لمجلس الأمة فصلت في موادها كيفية تقديم الاقتراح ودورته في المؤسسة التشريعية، وبعد ذلك يوضح مجموعة من القواعد التي يجب ان يراعيها النائب عند تقديم اقتراحه ومنها دراسة الجدوى المتأنية للاقتراح ومدى فائدته للصالح العام، وألا يكون الهدف منه تضييع وقت المجلس او إسقاط اقتراح آخر تم تقديمه لهدف شخصي، كما يجب ان يكون واضحا في صياغته وألا يسعى لخدمة طائفة او جماعة معينة، ثم ينتقل بعد ذلك الى الاقتراح برغبة وهو حق منحته الدساتير لأعضاء البرلمان ولا يؤسس التزامات جديدة كما لا يضيف للمنظومة القانونية اي تشريع جديد مثل تعبيد الطرق او بناء منشآت او اضافة بعض الأمور لمؤسسات حكومية قائمة، وغير ذلك من الاختصاصات التي لا يمكن للنائب ان يقوم بتنفيذها، وتلك الأداة لا تأخذ صفة الإلزام، بل هي خيار للحكومة تعمل به أو تتركه.
الرقابة
يعد الدور الرقابي هو الأقدم في العمل البرلماني حول العالم وخاصة فيما يتعلق بالأمور المالية والميزانيات، ولذلك فقد خصص المؤلف مساحة كبيرة من الفصل الثاني للحديث عن العملية الرقابية، مستعرضا اهم الأدوات التي تساعد النائب على مراقبة عمل الحكومة ومنها السؤال البرلماني والذي ينقسم الى الشفهي البسيط الذي يكون بين النائب والوزير وجها لوجه، والسؤال المستعجل وهو الذي لا يحتمل التأخير ويكون خاصا بأمر مهم ولا يتطلب اخطارا سابقا ويقدم الى رئيس المجلس قبل ظهر اليوم الذي يرغب فيه العضو بالحصول على الاجابة.
وينتقل المؤلف بعد ذلك الى أداة أخرى من ادوات الرقابة وهي التحقيق البرلماني والتي عادة ما يأخذ شكل لجنة برلمانية تقوم على أساسها أعمال التحقيق والبحث، موضحا ان طريقة للتحري التي تنظمها السلطة التشريعية للرقابة على الحكومة، لافتا لأسس وإجراءات التحقيقات البرلمانية في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ومن التحقيق يعرج على الأداة الأشد خطورة وتأثيرا في العملية الديموقراطية والأشبه بالمحاكمة السياسية وهي الاستجواب، مبينا انه بدأ اولا في فرنسا ويمكن للنائب استخدام تلك الأداة بمفرده او مع غيره من الزملاء، ومن شروط الاستجواب ان يقدم مكتوبا، والا يتضمن مخالفة للدستور او اللائحة الداخلية للبرلمان، كما يجب الا يضر بالمصلحة العليا للبلاد، مشددا على ضرورة ان يتجرد النائب من الأهواء الشخصية والرغبة في الانتقام من اشخاص معينين عند طلب طرح الثقة في الحكومة او احد وزرائها، وان يكون هدفه النقد البناء وتقييم واصلاح الأوضاع القائمة.
التجربة السياسية
«لكل بداية نهاية»، ينطق ذلك القول ايضا على ممارسي اللعبة السياسية سواء من الوزراء او النواب، والعمل البرلماني في الغالب لا يخضع لسن معينة يتقاعد عندها الإنسان كما هو الحال في الوظائف الأخرى، بتلك الكلمات استهل المؤلف الفصل الثالث والأخير من «البرلمان.. المؤسسة والإنسان» ليقدم في بضع صفحات لمحة سريعة عن اشكال النهايات السياسية لأعضاء المجالس النيابية، ويوضح ان هناك نهاية طبيعية تتمثل في اعتزال الشخص للعمل البرلماني لأسباب فردية من تدهور الحالة الصحية او الذهنية او التفرغ للحياة الخاصة، او الاعتزال لأسباب شعبية عندما يشعر النائب بأن قواعده الجماهيرية بدأت في التأكل والتضاؤل، كما ان هناك نهاية قسرية للعمل النيابي وعادة ما تكون مؤلمة للإنسان حيث يبتعد عن المعترك السياسي بغير إرادته او رضاه.
وبترك النائب للعمل البرلماني تكون قد تكونت لديه ذخيرة من الخبرات والتجارب والمعرفة بالكثير من الأمور التي تساعده على ان يتبنى فكرا او توجها معينا نحو قضايا المجتمع المختلفة، وهنا تقع عليه مسؤولية توثيق تلك المرحلة المهمة في حياته وتقديمها للآخرين حتى يمكنهم الاستفادة منها، وذلك بعدة طرق مثل اصدار كتاب يتحدث فيه عضو البرلمان عن تجربته السياسية والانجازات التي حققها والصعوبات التي واجهته والمعارف التي اكتسبها، او ان يكتب اراءه السياسية في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي لتكون نافذة يطل عبرها على قضايا وأحداث الساعة.
يبقى القول ان «البرلمان.. المؤسسة والإنسان» يعد من الكتب الفريدة التي تناولت التجربة البرلمانية من منظور إنساني قيمي واخلاقي بحت، وحصيلة ثقافية مهمة وجهدا مميزا، وعملا يستحق القراءة والاهتمام، واضافة ثرية للمكتبة الكويتية والعربية التي تعاني نقصا في تلك النوعية من المؤلفات.
المؤلف في سطور
٭ أحمد عبدالعالي الهندال.
٭ حاصل على ليسانس حقوق ـ البحرين.
٭ كاتب صحافي في جريدة الطليعة ـ مجلة ابواب.
٭ عضو المنبر الديموقراطي الكويتي.
٭ عضو جمعية الخريجين الكويتية.