شافعي سلامة
«أنا امرأة لا أعرف طريقة لبيع ذاكرتها، أمارس تذكر الأشياء الماضية كهواية، أبتسم وأدعي أنني بخير وأن زرقة السماء جميلة، أقول إنني نسيتك لأزيح قليلا ما يغيم على فرحي، أقولها بطريقة تشعر من حولي بأنني سعيدة من دونك، وأنني في المساء أستطيع أن أنام جيدا، أقول إنني لم أعد أحبك وتخنقني غصة، بعدك بت أكذب»
عبر خواطر مطعمة بجمل متلألئة من أجمل الأغنيات لعمالقة الغناء العربي من أمثال فيروز وماجدة الرومي وكذلك من أشعار شعراء كمحمود درويش والشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن وكذا رؤى رومانسية حالمة أحيانا ومصطدمة بواقع جامد مؤلم أحايين، تبحر الكاتبة سحر بن علي في كتابها «شرفة الذاكرة».
يأتي الكتاب في 168 صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على 67 خاطرة تمثل في معظمها حوار مع الآخر، المحبوب، الذي قد يرمز، فضلا على المعنى الأصلي، إلى كل جميل يعشقه الإنسان ويتوق إليه ويفتقده عند غيابه، لكن كيف السبيل إلى العثور على المفقود لاسيما أن أيام العمر تمر كقطار سريع لا ينتظر أحدا.
«ندمن الشوق كإدمان المحبين على عطر الورود، ومن ثم تمر بنا الأيام مسرعة كقطار لا ينتظر أحدا، تترك ذكراها على ياقة الأيام وتمضي، وحده الجنون لا يمر مسرعا، يتركنا سكارى دون أن نحتسي رشفة من نبيذ». إنها شرفة يمكن لأي منا أن ينظر من خلالها إلى حاله وواقعه أو ذكريات من ماضيه، يرى كيف تبدلت الأمور وتتاح لديه زاوية لرؤية أوضح.
«تعلم أنك تسير على غير هدى، تتخبط بغلبة القلب على الأرض، وتغرق، تخرج عن نطاق المعرفة، كآلة موسيقية، تملي عليك إيقاعات من تأليف عينيها، كقصيدة تغزوك حروف اللغة كنسمة حب عابرة». في خط غير مترابط تعبر الكاتبة عن الإنسان ودواخله وكيف تتوه به الدروب أحيانا ليجد نفسه حيث لم يكن يتوقع، حتى يصل في بعض المواقف إلى أن يجرد من أمنياته.
«هناك مدن كالقصائد
تغريك عناوينها
تهزمك تفاصيلها
تفرحك وتحزنك، تربكك وتسعدك
وتجردك ذكرياتها من أمنياتك».
هكذا تتنقل سحر بن علي ما بين «صباحات مزخرفة بالورد» و«صندوق بريد» و«مساءات ممتلئة بالحنين» على «طاولة في مقهى» في «جولة» تنتهي بـ «تلويحة وداع» على أمل أن يكون القادم أفضل وأن تكون الشرفة إطلالة على السعادة المفقودة وطريقا للولوج إلى الحب وراحة البال المنشودة.
مقتطفات من الكتاب
٭ «العزلة وطن، ما من أحد قضى ليلة فيها إلا وأمضى الليل كله يدلك عينيه من فرط السهر، فمن يحيا على غياب أحدهم، يغرق نفسه في عتمة ظله، ولن يتحرر إلا إذا عرض ذاكرته للنسيان».
٭ أحيانا تجلس وحدك مع ذاكرتك، الجميع يراك وحيدا، وأنت في حضور ذاكرتك تحمل شخصا، هو لك العالم بأكمله.
٭ الشمعة التي في داخلي تحترق، إلى ماذا تتشكل بقاياها؟
٭ لأن النوافذ مشرعة على الذكرى، لحوافها أطواق من الشوك، لان السماء فارغة بعد غيامها، اتوه بين الوجوه المتشابهة لأن الطيور بلا مأوى، ارتجفت ستائري كالقلوب المرتبكة، وكلما مر قمر في الليل، غرد قلبي وقال: انه وحيد مثلي.