- تجربتي الشخصية في دور الرعاية الاجتماعية كانت إيجابية جداً.. ما الذي نكس هذه المؤسسات؟!
- أغلبية الأطفال يجهلون سبب وجودهم في مراكز الإيواء ويشعرون باغتراب
- غياب الثقة والعلاقة الحسنة بين مشرفي الدور والنزلاء يمنعهم من اللجوء إليهم فتتفاقم المشكلات
- فرط استخدام العقاب من المشرفين أدى إلى تكريس ما ذكرته الدراسة من سلبيات
بقلم: خلود عبدالله الخميس
كتبت بدرية بندر القملاس كتابا بعنوان «أساليب التنشئة الاجتماعية والثقافية لمجهولي النسب في المجتمع الكويتي» عبر دراسة ميدانية، بينت فيه أن أعداد مجهولي النسب في الكويت ارتفعت من 34 في العام 1961 إلى 913 في العام 2011.
اللافت للانتباه أن أسباب هذه الظاهرة في المجتمع الكويتي ترتكز على الأيدي العاملة الوافدة التي تبلغ أكثر من 100 جنسية وتشكل ثلثي سكان الكويت، وأنها - خصوصا غير العربية منها - جلبت معها عاداتها بالانفتاح في العلاقات خارج الزواج، والتي قد ينتج عنها أطفال يلقون بهم في الشارع لعدم القدرة على تحمل مسؤوليتهم قانونا واجتماعيا وماديا.
كما علينا هنا ألا نغفل عن سبب مهم في ترك المواليد لتنشئها مؤسسات الدولة، الخدمات المتميزة التي تقدمها الكويت لمجهولي النسب في دور الرعاية الاجتماعية، وعلى رأسها منحهم الجنسية الكويتية طبقا للمادة 3 من المرسوم الأميري رقم 15 للعام 1959 الذي ينص على أن «يكتسب الجنسية الكويتية كل من ولد لأبوين مجهولين....»، إلى آخر المادة المذكورة.وأشارت الباحثة القملاس إلى العمالة المنزلية من الجنسين كأحد أسباب زيادة الظاهرة، فهم يقومون بممارسة الجنس سواء بين بعضهم بعضا أو بسبب اغتصاب أرباب العمل، أو علاقات بالتراضي، إضافة للعلاقات المحرمة بين المراهقين ما قد ينتج عنها مواليد يقذف بهم في الحاويات وأمام أبواب المساجد خوفا من الفضيحة الاجتماعية والمساءلة القانونية.
وألقت الضوء على الدعارة السرية والمنظمة كسبب وهي منتشرة بين الوافدين من الجنسيات الأجنبية بكثرة، بالإضافة الى الزواج خارج المحكمة كأسباب لإنجاب غير مرغوب والنهاية معروفة للأسف عندما يكون الضمير مخدرا بفعل الشهوات، وبالطبع لا ننسى العلاقات الخاطئة بين مدعي الحب والتي قد ينتج عنها خطيئة على شكل طفل.
في الحقيقة، الدراسة طويلة ونتائجها كارثية، ومن تلك النتائج: معاناة أطفال وشباب مجهولي النسب من الاغتراب في بيوت ودور الرعاية بسبب إخفاء العاملين فيها مشاكلهم حفاظا على تقاريرهم، سوء وضعف أساليب التنشئة الاجتماعية والثقافية، انتشار العنف ومحاولات الانتحار والتحرش الجنسي مع تدني الخدمات الصحية والتعليمية وضعف الوازع الديني وسوء التغذية!وبينت الدراسة عدم قيام الموظفين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين بأعمالهم تجاه نزلاء الدور والحضانة من رعاية، تأهيل، اختبارات، برامج ترفيهية، رقابة سلوكية وأخلاقية.. إلى آخره، إضافة إلى جهلهم بقوانين الاحتضان!وسأتجاوز التوصيات لأنها عكس النقوصات والنقد، ولمن أحب التفصيل الكتاب من منشورات «ذات السلاسل» ومتوافر في أفرع مكتباتها.
وأختم بعرض مختصر لتجربة شخصية، لقد كانت لي عمة تعمل مشرفة في دور الرعاية الاجتماعية، المربية الفاضلة عائشة علي الخميس -رحمها الله وطيب ثراها-، كانت تصحبني معها أحيانا الى مقر عملها، لم يكن عمري يتعدى السابعة، المكان عبارة عن مبان، كل مبنى مستقل بخدماته وفيه أربع غرف بين كل غرفتين دورة مياه ومطبخ واحد وصالة جلوس وغرفة طعام تطل عليها، وغرفة المشرفة ولديها دورة مياه خاصة، أي مثل نظام شاليهات.
لم أعرف عن تلك الفتيات سوى أنهن أخوات رغم اختلاف أشباههن، كن يتشاجرن ويلعبن ويتصالحن مثل أي أشقاء في أسرة طبيعية، بالتأكيد صغر سني لم يسمح لي بفهم الكثير، والأهم أن عمتي -رحمها الله- لم تكن تعاملهن باختلاف عن معاملتها لي، وتفاصيل كثيرة جميلة لا تسعها المساحة.
وكانت الفتيات يقضين الأعياد في بيت عائلتنا، بيت الخميس، مع جميع أفراد الأسرة، واستمرت العلاقة بين عمتي وبناتها، اللواتي تزوج أغلبهن وبنين حياة طبيعية، الى ما بعد تقاعدها المبكر بسبب فقدانها للبصر، وحتى توفيت المرحومة، وهن يزرنها وكن من أولى المشاركات في عزائها.
وأنا أقرأ الكتاب موضوعنا حزنت على النتائج، ففي الحقيقة أن ما آلت إليه مؤسسة الرعاية الاجتماعية مؤسف، بل أبعد من الأسف، مخجل ومخز!السطحية وإهمال العلاقات لصالح التكنولوجيا وتراجع القيم، سمات زمن المحدقين في الجهاز، المطأطئين له، بلغت كل ما هو إنساني لتخفيه!في السبعينيات لم تكن هذه حال دور الرعاية الاجتماعية في الكويت، المشرفون والمشرفات آنذاك لم يتخذوها وظيفة وطالبوا بكوادر وبدلات، بل كانت الوظيفة مكلفة لهم ينفقون عليها وليس منها.
اليوم في كويت الرفاه، والذي نعلم بوجوده رغم محاولات التصريحات الحكومية بث الإحباط وسوء الظن بملاءتها المالية، يجب أن تكون دور الرعاية الاجتماعية لائقة بالدولة، وأن يكون موظفوها من أفضل الكفاءات.
وبالطبع الدولة لم تقصر في الإنفاق على هذه المؤسسات، لكن النقص في قيم البشر التي جنحت الى المادية وتخلفت عن المعنوية بقدر كبير.
تساؤل الإجابة عنه معلقة: هل سيأتي من يقوم على تلك الدور ليبعث في سكانها الأبرياء المظلومين الأمل والثقة بأن «الدنيــا فيـهـا خير»؟!
خدمات الكويت لفئة مجهولي النسب
تقوم الكويت ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، برعاية فئة مجهولي النسب، فتوفر احتياجاتهم من برامج وخدمات وأنشطة ومنها البرامج الاجتماعية، وترتكز على عوامل التنشئة السليمة، وتلقين العادات والتقاليد وإكساب السلوكيات المرغوبة، بالإضافة الى تنمية المهارات الاجتماعية، مثل معرفة آداب الحديث والحوار وحسن الإنصات، والاستئذان والطاعة والاحترام لآراء الكبار، بالإضافة الى كيفية إقامة علاقات الأخذ والعطاء والتعاون، وأهمية مخالطة الآخرين والتنافس الشريف، وغرس معاني الأمانة واحترام ملكيات الآخرين، وقيم الولاء والانتماء وحب الوطن.
برامج دور الإيواء
يُعد الباحثون الاجتماعيون برنامجا يوميا لمعيشة الأبناء في دور الإيواء بمشاركة الجهاز الفني واعتماد مشرف الدار، بحيث يتلاءم مع المراحل العمرية والدراسية للأبناء، ويفي باحتياجاتهم المعيشية، وذلك عن طريق تحديد مواعيد الاستيقاظ والاغتسال وتبديل الثياب والإفطار، ومواعيد الذهاب للمدارس أو الجامعات أو مؤسسات التدريب، ومواعيد وفترات الاستذكار وأداء الواجبات المدرسية اليومية، وأيام اجتماعات الأسرة (بمعدل مرة أسبوعيا على الأقل)، وفترات مزاولة الأنشطة الداخلية.
البرامج النفسية
- تشخيص المستويات الذهنية وقدرات واستعدادات الأبناء للمساعدة في عمليات التوجيه التربوي، بما يتلاءم مع امكانات الحالات، وتبصير الأبناء بها، للاستفادة منها في تحقيق الأهداف المستقبلية.
- التشجيع على التنفيس الانفعالي، للتخلص من عوامل التوتر والقلق، وتحقيق التوافق النفسي.
- إشباع الحاجات، مثل الحب والأمن والأمان، بالإضافة الى الثناء والتقدير والتعاطف الوجداني، خاصة في أوقات الشدائد والأزمات.
البرامج الدينية
تهتم هذه البرامج ببث الوازع الديني، وإبراز القيم الأخلاقية النابعة من الدين الإسلامي الحنيف، وكذلك تدريب الأبناء على معرفة العبادات، والتمييز بين الحلال والحرام، وأهمية حضور الندوات الدينية، والمشاركة في المسابقات الدينية وحفظ القرآن، بالإضافة الى إلزام الأبناء بأداء الفرائض الأساسية واصطحاب الذكور الى صلاة الجمعة بالمسجد، وتنظيم رحلات حج وعمرة سنوية.
البرامج التعليمية التربوية
- الحرص على إلحاق جميع الأبناء بالمدارس الحكومية أو الخاصة لنيل قسط وافر من التعليم وفقا لقدراتهم وإمكاناتهم.
- تأمين دراسة بعض الفتيان والفتيات بجامعات خارج دولة الكويت، أو بالجامعات الخاصة، وذلك للراغبين منهم في ذلك.
- تحويل المسار التعليمي لبعض حالات بطء التعلم أو التأخر الدراسي، بعد عرضها على التوجيه الفني بالإدارة، وإصدار قرار جماعي بشأنها من اللجنة الفنية للدار أو البيت.
- قبول دعوة بعض الجهات المنظمة للدورات التربوية أو التعليمية، وإشراك الراغبين من الأبناء في ورش العمل الملحقة بها.
- إخضاع بعض الأبناء لاختبارات تقييم مستوى في بعض المقررات العلمية، من قبل الجهات المختصة.
الخدمات الصحية
تتوافر خدمات وقائية للابناء، مثل التطعيم بالاضافة الى اجراء الفحوص الدورية، ومعالجة المرضى وصرف الادوية، عن طريق الصيدلية المتوافرة بالمركز الطبي التأهيلي داخل مجمع دور الرعاية الاجتماعية كالتالي:
٭ يوجد طبيب متخصص يشرف ويتابع يوميا حالات الإيواء بدار الاطفال.
٭ تتوافر الخدمات الصحية المساعدة عن طريق الاشعة والمختبرات، وتجرى بواسطة فريق متخصص مؤهل من افراد الهيئة التمريضية التي تغطي العمل على مدار الساعة وتقوم باعطاء الادوية للمرضى في المواعيد المحددة، وتحول الحالات المحتاجة للعلاج التخصصي للمستشفيات.
٭ تتوافر خدمات العناية بالأسنان، وكذلك العلاج الطبيعي على ايدي المتخصصين.
خدمات التغذية
٭ تخصص ثلاث وجبات اساسية يوميا بالاضافة الى وجبتين خفيفتين.
٭تقدم تلك الخدمات من خلال التعاقد مع شركة متخصصة فمن شروط مناقصة التغذية السنوية، وينفذها المتخصصون من اخصائيي التغذية والطهاة، عن طريق ادارة خدمات دور الرعاية داخل مجمع الرعاية الاجتماعية.
خدمات النظافة
يقوم العمال الذين تجلبهم احدى الشركات المختصة المتعاقدة معها الوزارة، بالمحافظة على نظافة المباني والساحات والحدائق المحيطة بالدور، بالاضافة الى توفير عوامل النظافة الشاملة للاسرة والاقسام والغرف التي يقيم فيها الابناء.
توفير الملابس للابناء في دور الايواء
٭ يتوافر للابناء سنويا الملابس الشتوية والصيفية، وملابس عيدي الفطر والاضحى، بالاضافة الى الملابس المدرسية.
حساب الادخار
تجري مخاطبة ادارة الرعاية الاسرية التابعة لقطاع التنمية الاجتماعية، لفتح حسابات ادخار للابناء مجهولي الوالدين، بوضع مبلغ شهري لكل طفل منذ بداية الشهر التالي لالتحاقه بالدار الى ان يبلغ سن الرشد (21 عاما)، حيث تودع بالبنوك عن طريق ادارة الشؤون المالية بوزارة الشؤون ويدرج ما يسدد بحسابات الاطفال، بسجلات الادخار لدى ادارة الحضانة العائلية وادارة الرعاية الاسرية، وتضاف الارباح التي يجنيها البنك الى الاموال المودعة بحسابات الابناء، كما يحق للابن تسلم مدخراته بعد بلوغه سن الرشد على دفعات، بحيث لا تتجاوز الدفعة الاولى 25% من اجمالي المبلغ المودع بالحساب، ويجوز بقرار وزاري صرف نسبة لا تجاوز 50% من المبلغ المدخر للابن قبل بلوغه سن الرشد، وذلك اذا ثبتت حاجته الماسة للمال، واستحالة توفيره من جهة اخرى.
الحصول على الجنسية الكويتية
تنص المادة رقم 3 من المرسوم الاميري رقم 15 لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية وملحقاتها على ما يلي:
يكتسب الجنسية الكويتية كل من ولد لأبوين مجهولين ويعتبر اللقيط مولودا فيها ما لم يثبت العكس، ويجوز (بناء على عرض وزير الداخلية) منح الجنسية الكويتية لمن ولد في الكويت او في الخارج من ام كويتية وكان مجهول الاب او لم يثبت نسبته الى ابيه قانونيا، كما يجوز بقرار من وزير الداخلية معاملة القصر في هذه الحالة معاملة الكويتيين لحين بلوغهم سن الرشد، وبموجب ذلك فإن معظم الابناء مجهولي الوالدين قد حصلوا على الجنسية الكويتية بعد اتمام 18 عاما.
المصروفات المالية
٭يمنح كل ابن في دور الايواء او يدرس في الخارج من حالات الايواء مصروفا يوميا، تحدد قيمته بما يتلاءم مع العمر والصف الدراسي، حيث يحصل طفل السنتين على مصروف يومي 250 فلسا، تصل الى 6 دنانير كويتية يوميا في المرحلة الجامعية داخل الكويت، او 8 دنانير كويتية يوميا للطالب الجامعي الدارس في الخارج.
٭ تصرف مكافآت التفوق بحسب المراحل الدراسية وتتراوح بين 10 - 100 دينار كويتي لكل ابن.
٭ تخصص 500 دينار كويتي هدية الزواج، بالاضافة الى المساهمة في حفل الزواج بقيمة 350 دينارا كويتيا.
٭ تصرف عيديات للابناء في دور الايواء، تتراوح قيمتها بين 30 - 50 دينارا كويتيا لكل ابن حسب عمره.
٭ تتوافر نفقات دروس التقوية للطلبة، وكذلك الانشطة الخارجية داخل الكويت، وتوفر الاعتمادات المالية للرحلات السياحية خارج الكويت سنويا.