إعداد: أحمد صابر
في خطوة هادفة لحفظ وتوثيق تاريخ الحركة المتحفية والآثارية والتراثية الكويتية والعربية والعالمية، ورغبة في زيادة الوعي والتنوير الثقافي بما تحمله المتاحف وقاعات عرض المقتنيات التاريخية من رسائل مهمة تعد تأصيلا لجوانب الحياة في مختلف الحضارات، ولتقديم صور بانورامية عن تلك الأمم، وبمناسبة مرور 60 عاما على إنشاء متحف الكويت الوطني، قام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بجمع وإعادة نشر أعداد مجلة «المتحف العربي» الفصلية التي وثقت خلال فترة صدورها من عام 1985 إلى 1988 العديد من المتاحف والأماكن الأثرية وأضاءت على حياة الكثير من الشعوب في الوطن العربي وأوروبا وأميركا وغيرها.
جاءت أعداد المجلة الـ 13 - والتي توقفت بعدها عن الصدور-، في مجلد توثيقي يقع في 890 صفحة من القطع الكبير قام بجمعه ومراجعته أستاذ الانثربولوجيا وعلم الآثار في جامعة الكويت د.حسن اشكناني، وحفل الإصدار المتميز بالعديد من القضايا والملفات العلمية والتاريخية المتخصصة والتي تم عرضها بشكل مبسط لتكون مرجعا يستفيد منه الباحثون والقراء.
يبدأ الإصدار بكلمة لرئيس تحرير مجلة «المتحف العربي» آنذاك أستاذ التاريخ القديم بجامعة الكويت د.سليمان البدر، حيث قدم نبذة مختصرة عن المجلة وأهدافها ونشأتها، مستعرضا جهود المسؤولين والقائمين عليها وقتئذ في إثراء الحركة الفكرية وتنشيط الذاكرة الثقافية، متناولا اللقاء الذي جمعه مع صاحب فكرة إعادة نشر «المتحف العربي» د.حسن اشكناني والاتفاق على آلية تجميع الأعداد المختلفة.
ريادة ثقافية
في مقدمة العمل يستعرض د.حسن اشكناني تاريخ «المتحف العربي»، مؤكدا أنها كانت احدى المجلات الرائدة في الخليج العربي خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وعنت برصد التراث الإنساني وإبراز دور المتاحف وأنشطة بعثات التنقيب الأثرية في مختلف العصور، لافتا إلى أنها كانت مثالا للتعاون بين المؤسسات المختلفة لنشر الثقافة، وزخرت أعدادها بالعديد من الموضوعات التراثية والأبحاث العلمية المتخصصة ولقاءات مع مسؤولين بالإضافة الى زيارات ميدانية لمتاحف ومناطق أثرية في بلدان العالم.
ويستعرض د.حسن اشكناني بصمات المسؤولين الذين ساهموا في خروج المجلة الى النور ونجاحها طوال فترة الصدور ومنهم صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حيث كان سموه يشغل وقتها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، ثم سمو الشيخ ناصر المحمد والذي شغل حينها منصب وزير الاعلام، وسمو الشيخ جابر المبارك، وعبدالرحمن الحوطي، وصالح شهاب، وإبراهيم البغلي، والشيخة حصة الصباح، وسليمان البدر وغيرهم.
كما أورد أشكناني ضمن محتويات العمل مجموعة من الصور والمقتنيات القديمة، منها اعداد من «المتحف العربي»، وملفات ورسائل وميكروفيلم يحتوي على صور نشرت في المجلة، بالإضافة إلى صور أصلية ونادرة من المتحف المصري ومتحف الكويت الوطني.
انطلاقة قوية
«انطلاقة قوية»، هكذا يمكن وصف بدايات «المتحف العربي» التي حلقت في سماء الإبداع، لتنبئ عن ريادة ثقافية، وتضع بين أيدي الأثريين والباحثين الأكاديميين مرجعا رصينا زاخرا بالمعلومات والفوائد، حيث قدم للعدد الأول من المجلة والذي صدر في يونيو 1985 صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد متناولا سموه الحضارات العريقة في الوطن العربي وأصالتها والمكتشفات الأثرية التي تؤكد عظمتها، وأهمية إنشاء المتاحف «بيوت الحضارة» لحفظ الآثار، مؤكدا ان المجلة جاءت لتعنى بشؤون الآثار والحضارات وتواكب مستجدات الحركة الثقافية وتسهم في إثراء البحث العلمي.
واحتوى العدد الأول على عدة فصول اشتملت على موضوعات متنوعة منها مقال بعنوان «إسهامات علمية في تحديد عمر الحضارات»، وآخر بعنوان «المتحف..النشأة والدور»، وثالث حول «الآثار في أرضنا العربية ورحلتها الى المتاحف الأوروبية»، و«دلالات أثرية من التراث العربي»، و«محاولة جادة لإحياء تاريخ الخليج العربي»، وأما في باب «متحف العدد» فقد أفردت المجلة مساحة كبيرة للتعريف بمتحف قطر الوطني مع مجموعة كبيرة من الصور توضح محتوياته ومقتنياته.
وكان العدد الثاني الذي صدر في سبتمبر 1985 بمنزلة نقلة نوعية في عمل «المتحف العربي» وبدأ التوسع في سرد وتناول الاكتشافات الأثرية مثل «الاستكشاف الاثري في فلسطين» وفقرة «تراثنا» والتي سلطت الضوء على «طقوس الزواج في الكويت»، ثم الحديث عن «تراث أقدم المدن الأردنية.. معان»، فيما خصص باب «متحف العدد» للحديث عن «متحف الكويت الوطني».
من دائرة المحلية الى العربية، انطلق العددان الثالث والرابع من المجلة، حيث أورد القائمون على الإصدارين عدة مقالات وموضوعات بحثية حول «الكتابة العراقية القديمة»، و«منبر المسجد الأقصى»، و«قصة اكتشاف كنوز توت غنخ امون» و«المتاحف السورية» و«حفريات ضواحي مدينة حلب»، و«قصر البديع»، و«المتحف المصري»، و«الزخرفة الجبسية في الخليج».
انتشار عالمي
لم يكد يمر العام الأول على اطلالة «المتحف العربي» في دنيا المعرفة حتى تكونت لديها قاعدة جماهيرية عريضة من القراء والمثقفين والمهتمين بالتاريخ والآثار، ساعدها في ذلك خبرات كوكبة من العلماء والمتخصصين، حيث استقبلت عامها الثاني بإصدار مميز للعدد الأول في يوليو 1986 منطلقة بخطى واثقة نحو العالمية، حيث تناولت في عدديها الأول والثاني تاريخ عدد من المتاحف العالمية مثل «متحف توب كابي في اسطنبول» و«متحف اللوفر في باريس»، وإسهامات العلم الحديث في مجال الآثار مثل «أضواء على تزييف العملة عبر التاريخ»، و«معدات البحث عن الآثار تحت الماء»، كما ضم العدد الثاني لمحة عن «الكوفية لدى العرب عبر الإسلام».
الحضارة الإسلامية
تاريخ الحضارة الإسلامية، كان محور العدد الثالث للمجلة في العام الثاني حيث تصادفت انطلاقته مع انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الخامس في الكويت، وزينت الغلاف صورة جميلة بالألوان المميزة للمسجد الحرام، كما تناول العدد أيضا مقالا بعنوان «كسوة الكعبة المشرفة عبر التاريخ»، بالإضافة الى إضاءات حول «الحرم القدسي الشريف وأخطار الحفريات الإسرائيلية»، و«القلاع الإسلامية»، و«الوحدة في الفنون الإسلامية»، و«المئذنة..نشأتها وتطور عمارتها»، و«قصة الجامع العمري الكبير في غزة»، و«الفخار والخزف الإسلامي»، «الآثار الإسلامية في اندونيسيا»، و«التعليم عند المسلمين».
وفي باب «عمارة ومميزات» وردت دراسة قيمة بعنوان «أبواب الموحدين والأثرية برباط الفتح» لتقديم معلومات ثرية عن العمارة الإسلامية والقلاع الاثرية في المغرب، ولإضفاء طابع إسلامي خالص على العدد جاءت صفحة الغلاف الأخيرة مزدانة بصورة لمسجد الامبراطورة نورجيهان في مدينة اكرا بالهند، والذي تأسس عام 1628.
الشمعة الثالثة
بمزيد من النجاح والتألق في عالم الفكر الاثاري والتراثي مخرت المجلة عباب عامها الثالث 1987، لتسد فراغا كبيرا في المكتبة العربية، وكانت باكورة اصداراتها في هذا العام عددا مميزا شاملا لمختلف الموضوعات المحلية والعربية والعالمية، حيث استهلت الاصدار بمقال بعنوان «المتحف والذات القومية في الغرب»، محاولة الولوج نحو تعميق احساس المواطن بهويته وتعميق انتمائه لدولته في الدول الغربية، وفي فصل العلوم والآثار أوردت بحثا عن «دور الفيزيائي في مجال المتاحف والآثار»، و«شبابيك القلل الفخارية»، و«منارة عنه وإنقاذها من الغمر في حوض سد القادسية»، و«البيت الشامي»، و«متحف ميلانو»، و«متحف محمد محمود خليل.. الثورة المنسية في مصر»، و«تحف وأعمال فنية جميلة من البامبو».
وفي خطوة مهمة لإلقاء الضوء على المزيد من فنون العمارة وأساليب الصناعات الزخرفية واستخدام النباتات في الكتابة والخطوط المختلفة، أفردت إدارة المجلة مساحات واسعة في العددين الثالث والرابع للحديث عن «رياضيات بلاد ما بين النهرين»، و«فن العمارة الإسلامية في الهند»، و«التراث المائي في اجباب حلب»، و«أسلوب الصناعات الاندلسية وسماتها الزخرفية»، و«أصل الظواهر النباتية في الخط الكوفي».
الإطلالة الأخيرة
بعد ثلاثة أعوام من التألق وتسليط الضوء على الحضارات العربية والعالمية، ومع العدد الـ 13 مالت شمس «المتحف العربي» نحو الغروب، وأفل نجمها، معلنة التوقف عن الصدور، لتفقد المكتبة العربية مرجعا مهما للباحثين والمهتمين بشؤون التراث والآثار، تاركة خلفها بصمات لا تنسى، جمعت خلالها بين المقالات والدراسات البحثية والجولات المصورة في مختلف البلدان، بالإضافة إلى مساهمات ورسائل القراء من عدة أقطار.
وطرحت المجلة في عددها الأخير قضية مهمة وهي «تاريخ فلسطين في العصر الحجري القديم»، و«حائط البراق.. بين الملكية الإسلامية والانتحال اليهودي»، بالإضافة الى جملة من الموضوعات المتنوعة، مثل «بيوت الفسطاط الأثرية»، و«العوامل المؤثرة في العمارة الإسلامية المعاصرة»، في حين أفردت عدة صفحات لتسليط الضوء على «متحف العين» في دولة الإمارات العربية، بالإضافة إلى عرض لكتاب «العمارة السياحية» للمؤلف د.عبدالله النفيسي.