- المسؤولية الاجتماعية والوطنية تحتم علينا إبراز الجوهر المشرف لسمات المجتمع الكويتي الثقافية منذ زمن موغل في التاريخ
- المكتبات العامة جسّدت دور المجتمع الكويتي الطيب المنفتح على الثقافات الأخرى المتبني للفكر الوسطي المعتدل المشجع على الإبداع الهادف
- توثيق طبيعة الحياة في الكويت وجهود الكثيرين من أبنائها الأخيار الذين تركوا بصماتهم وأثروا الحياة الأدبية والتعليمية
يوسف غانم
تأكيدا لدور المكتبات في إثراء الحياة الثقافية لدى الشعوب، ومنذ أن بدأت نشأتها سواء كانت خاصة أو حكومية وهي تلعب دورا مميزا وظاهرا في ترسيخ مكانتها بإثراء المعرفة وتقديم المعلومات للشعوب على اختلاف وتنوع ثقافاتها، فاحتوت الكتب والمراجع للكتاب والمؤرخين والفلاسفة والعلماء، فأضحت المرجع والموئل للباحثين عن المعرفة وينابيع العلم، وتعزيزا لدور مكتبة الكويت الوطنية وتثبيتا لدورها الكبير في حياة الكويتيين الثقافية، فقد كان حرص الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كامل العبدالجليل على توثيق هذا الدور البناء في مسيرة الكويت وأبنائها من الذين حملوا مشاعل النور للارتقاء بالفكر والعلم والمعرفة، من خلال العمل على تأليف كتاب «ذاكرة وطن..مكتبة الكويت الوطنية»، والذي جاء بأسلوب شيق للقارئ بما يوثق تاريخها الحافل بالمعلومات سواء من حيث بدايات تأسيسها إلى طبيعة الحياة في الكويت والتي ترافقت مع جهود الكثيرين من أبناء الكويت الأخيار الذين تركوا بصماتهم وأثروا الحياة الأدبية والتعليمية فأسهموا بإرساء قواعد النهضة وحركة التنوير ونشر المعرفة لتتنامى في المجتمع الكويتي القديم، الصغير والبسيط منذ أكثر من 120 عاما.
توثيق دقيق للأحداث
ويعتبر كتاب «ذاكرة وطن.. مكتبة الكويت الوطنية» للعبدالجليل توثيقا دقيقا ومتتابعا للأحداث التي جرت في تاريخ المكتبات بالكويت، حتى نشأتها وتشغيلها ومتابعة وتدوين تطور أعمالها الفنية وإنجازاتها على مدى آخر 5 سنوات (2014-2019).
كما يبرز العبدالجليل الجوهر المشرف لسمات المجتمع الكويتي الثقافية منذ زمان موغل في التاريخ، جسدته المكتبات العامة وتبلور في خصائص هذا المجتمع الطيب المنفتح على الثقافات الأخرى، المتبني للفكر الوسطي المعتدل، المشجع والمقدر للإبداع والعطاء الثقافي والأدبي الرصين والهادف، فالشعب الكويتي امتاز بهوية ثقافية متميزة منذ القدم بثقلها الإنساني والحضاري الذي يشهد له العالم، ولعل مكتبة الكويت الوطنية تعتبر قائدة ورائدة هذا الركب، كمنارة للثقافة والمعرفة، المتصدرة للمشروع الثقافي النهضوي.
نشأة المكتبة
ويقول العبدالجليل في مقدمة الكتاب: تزايدت الحاجة ودعت الضرورة الى توثيق مسيرة وتاريخ نشأة المكتبات في الكويت، وتولدت لدي الرغبة الجامحة إلى تسجيل الأحداث المرتبطة باهتمام أهل الكويت وإقبالهم على الاطلاع والمعرفة، فكان إنشاء المكتبات التي سخرت لتواكب تأسيس التعليم النظامي وتطوره في البلاد، والذي بدأ بإنشاء المدرسة المباركية وافتتاحها سنة 1911 فكان دور المكتبات في تلك المرحلة الزمنية من بدايات القرن العشرين بمنزلة منعطف رئيسي في تفتح المجتمع، ودلالة على الريادة الكويتية المبكرة في التعليم، التي حمل مشعلها نخبة من العلماء والأدباء ووجهاء الكويت، لقيادة الحركة الإصلاحية والتنويرية في البلاد.
تنادى هؤلاء الى نشر الثقافة والمعرفة في وقت مبكر شهد لهم النهوض الفكري والانفتاح على محيط الكويت الخارجي، واكتساب المعارف والتواصل مع حضارات الدول الكبرى آنذاك في الهند وبلاد فارس والعراق والشام ومصر، برؤية ثاقبة بعيدة النظر، اطلق فيها حركة النهضة امير الكويت الراحل الشيخ مبارك بن صباح الصباح - طيب الله ثراه - الحاكم السابع للكويت (1896-1915).
وكان - رحمه الله - مؤسس الكويت العصرية في ذلك التاريخ.
إصدارات متفرقة
ويضيف: تعددت المعلومات في المراجع التاريخية والتوثيقية التي تناولت موضوع نشأة المكتبات وتطورها في الكويت، الا ان هذه المراجع من الكتب والإصدارات الخاصة جاءت متفرقة، ومع تقديرنا الكبير واعتزازنا العميق بجميع الجهود المبذولة في صدور المراجع التاريخية، التي تناولت ملامح وجوانب من تاريخ نشأة المكتبات في الكويت، واحترامنا البالغ لمؤلفي جميع المراجع، الا ان التوثيق الشامل والوافي لمسيرة نشأة المكتبات وتطورها وانتشارها، والبحث في سجل تاريخ المكتبة الوطنية التي كانت نواتها الأولى المكتبة الأهلية 1923 بحاجة ماسة الى جمعه وتنظيمه وإعداده وإصداره في كتاب واحد يؤدي الهدف الأسمى والمأمول لإفادة الجيل الحاضر والأجيال القادمة، لتعرف جوانب مهمة من تاريخ الكويت الحافل بالعطاءات الإنسانية المشرفة في حمل مشاعل النور بالعلم والثقافة والتمدن.
إن جميع ما صدر من مراجع تاريخية سابقة في هذا المجال، كان له سمات خاصة ذات علاقة وطيدة بمواضيع ومناسبات وظروف اصدارها، فنجد بعض المعلومات جاءت في كتب عن تاريخ الكويت، وأخرى تناولت السير والتراجم الشخصية لرواد الحركة التعليمية والثقافية والأدبية في الكويت.
صفحات منيرة
ويقول العبدالجليل: كما أن هناك كتبا اخرى صدرت لإحياء صفحات منيرة من تاريخ البلاد الثقافي والدعوي والتنويري، وتسلط الأضواء على بواكير تولد الاتجاهات الفكرية وتنامي الوعي والمعرفة، وإصدارات خاصة قامت بها جهات حكومية انيطت بها مهام ومسؤوليات الاشراف على ادارة المكتبات مثل دائرة المعارف (1936-1962) ووزارة التربية (1962-1979) والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (1979-1994) بالإشراف على إدارة المكتبة المركزية للدولة، التي آلت في عام 1994 وبموجب مرسوم اميري الى إنشاء مكتبة الكويت الوطنية بمسمى جديد لتواكب البنى المؤسسية للمكتبات الوطنية الحديثة في العالم المتحضر، الذي يتخذ من المكتبات منطلقا اساسيا ومكملا للتعليم وطلابه الباحثين عن زاد المراجع العلمية، في بحور الثقافة والمعرفة.
إرث زاخر
من هنا جاء الدافع الى إعداد هذا الكتاب الهام لتجميع وتنظيم كل ما سبق كتابته وتدوينه عن تاريخ المكتبات في الكويت والتوثيق الموضوعي والبحثي لمسيرة المكتبة الأهلية منذ إنشائها عام 1923 والتي نالت ارثها الزاخر مكتبة الكويت الوطنية عبر تعاقب السنين، من امهات الكتب والمجلدات والمخطوطات النادرة والقيمة والتي تعتبر المخزون الذي يرفع قدر المكتبة الوطنية ومكانتها في مستوى مقتنياتها ونوعيتها بين المكتبات الوطنية في المنطقة والعالم العربي.
ومع اعتبار هذا الكتاب الأول من نوعه ومحتواه من حيث التخصص في رصد تاريخ المكتبات عامة والمكتبة الوطنية خاصة، فإن الآمال كبيرة وعريضة بأن يكون مادة علمية وثقافية مفيدة، في اطلاع الطلبة والباحثين والمؤلفين والمهتمين، على جوانب مهمة من تاريخ نشأة المكتبات وتطورها وانتشارها، في مرجع واحد جامع وشامل، يفيد القارئ ويسد فراغا في المكتبة الوطنية والعربية على السواء.
المكتبة والمجلس
ويضيف العبدالجليل: يتجسد هدفنا في توثيق تاريخ المكتبة الوطنية مع رسالة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ودوره الفعال في إحياء وإبراز تاريخ الوطن المشرف المتمثل في إيمان اهل الكويت الراسخ والدائم في طلب العلم وشغف البحث من مختلف مصادر الثقافة والمعرفة، لذا يأتي هذا الكتاب انجازا مضافا للمجلس الوطني في اصداراته ومنتجاته الثقافية الرصينة والقيمة لخدمة القارئ العربي، وإظهار ما تملكه الكويت من ارث غني ومخزون ثري في عالم الثقافة.
وليكون الكتاب شاملا فقد أثراه الكاتب العديد من الوثائق المصورة وكذلك الأحداث والتغطيات التي تزامنت مع العديد من الأحداث التي شهدتها المكتبة والكويت، والتي جاءت بشكل متسلسل ومنطقي بحيث تشكل إضافة للقارئ والباحث عن المعرفة ضمن طيات هذا الكتاب الذي يعد مرجعا ثقافيا وعلميا سواء للاستزادة ثقافيا أو للباحثين المتخصصين من الطلبة والأكاديميين، داعيا الله تعالى أن تتحقق الفائدة المرجوة للجميع، وأن يكون هذا الكتاب إضافة إلى مكتبتنا الكويتية خصوصا والعربية والعالمية عموما، بما احتواه من معلومات موثقة وصور وشهادات، إضافة إلى الكثير من الأنشطة والفعاليات من ورش عمل ومحاضرات وندوات في العديد من المجالات المتنوعة، التي شارك بها المهتمون بالثقافة والمعرفة من المتخصصين والمهتمين، وكذلك طلبة المدارس والجامعات والأكاديميين والتي تقام بشكل مستمر عبر أبواب المكتبة المفتوحة للجميع لتقديم إبداعاتهم وأنشطتهم والتعريف بأعمالهم الفنية والأدبية وغيرها.
دور تنوير وثقافي
وأكد العبدالجليل مواصلة مكتبة الكويت الوطنية العمل لتحقيق دورها التنويري والثقافي الهام في المجتمع، وإنجاز مشاريع التطوير والتحديث في مجال خدمات المكتبات وتنمية مصادر المعلومات، وفي عالم الرقمنة والفضاء المعلوماتي والتقدم التقني في هذا المجال.
آملين ان تكلل الجهود الرامية الى خدمة ورفعة وطننا العزيز، وأن تكون مكتبة الكويت الوطنية رافدا رئيسيا للثقافة والمعرفة وطلب العلم المفتوح في رحاب قاعاتها وحول مقتنياتها الكثيفة.
داعين العلي القدير ان تتحقق الطموحات والأماني العريضة والكبيرة، تحت ظل راية صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد، حفظه الله ورعاه، وسمو ولي العهد الأمين الشيخ نواف الاحمد، حفظه الله ورعاه، وسمو رئيس مجلس الوزراء.
شكر وتقدير على الجهود المشهودة
توجه مؤلف «ذاكرة وطن... مكتبة الكويت الوطنية» كامل العبدالجليل بالشكر والتقدير وخالص العرفان إلى كل من أسهم وشارك بإنجاح هذا الإصدار وخروجه ليرى النور بهذه الحلة وفي مقدمتهم: الأستاذ د.عبدالله يوسف الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية على تفضله بالإيعاز للمراجعة اللغوية لمادة الكتاب، والشكر والتقدير موصول الى الإخوة الأعزاء كافة الذين تمت مقابلتهم خصيصا لسرد الذكريات حول تاريخ المكتبة الوطنية، وفي مقدمتهم الاستاذ د.سليمان ابراهيم العسكري الأمين العام الأسبق للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والأستاذ د.فاروق عمر العمر الأمين العام الأسبق للمجلس الوطني، والعم د.صالح محمد العجيري والمدير السابق للمكتبة المركزية للدولة الاستاذ غازي الربيعان، والشكر موصول الى الاستاذ عماد ابوالبنات مدير ادارة التزويد والفهرسة السابق في مكتبة الكويت الوطنية.
كذلك تقدم العبدالجليل بجزيل الشكر وخالص الامتنان الى الاستاذ د.خليفة عبدالله الوقيان على المراجعة الثقافية للأحداث والوقائع التاريخية لمادة الكتاب ومحتواه.
كما شكر كلا من: ايفون عبدالعزيز لطباعة هذا الكتاب، والشكر موصول إلى ابرار ملك على تصوير انشطة وفعاليات المكتبة الوطنية في هذا الكتاب.
إنشاء مكتبة عامة مؤقتة في «بيت المعارف»
كان اهتمام دائرة المعارف ومجلسها المرموق من وجهاء وأعيان الكويت، جليا فيما نالته مكتبة المعارف العامة وحظيت به من دعم سخي وإيمان مطلق بدورها المهم في تنوير وتثقيف وتوعية المواطنين وتوسيع مداركهم وفتح أذهانهم بالمعرفة، التي سلاحها هو الكتاب، تصديقا لقول امير الشعراء احمد شوقي في تمجيده لقيمة الكتاب ورفع مكانته وبيان اهميته للإنسان بقصيدة رائعة يقول فيها:
أنا من بدل بالكتب الصحابا
لم أجد لي وافيا إلا الكتابا
صاحـب إن عبته او لم تعب
ليس بالواجد للصاحب عابا
كـلمــا أخلقتــه جــددني
وكساني من حلي الفضل ثيابا
صحبـة لم أشك منهـا ريبة
ووداد لم يكلفني عتابا
من هذا المنطلق ومع التوجه التنموي الجاد للنهضة الثقافية والمعرفية الأولى التي واكبت الكويت منذ مطلع العقد الخامس من القرن الماضي، والتي حمل لواءها مجلس المعارف، وجهود دائرة المعارف الرامية الى تطوير التعليم وخدمات ومكانة المكتبة العامة، مما دفع مدير المعارف الاستاذ المرحوم عبدالعزيز حسين الى رفع تقرير الى اللجنة التنفيذية العليا سنة 1954 مطالبا بإنشاء بناء جديد للمكتبة حديث وواسع، وقد وافقت اللجنة التنفيذية على مقترحه وطلبه، ولما كان هذا المشروع يحتاج إلى فترة زمنية طويلة كافية لتنفيذه، فقد ارتأت ادارة المعارف انشاء مكتبة عامة مؤقتة في بيت المعارف (مبنى مطبعة المعارف سابقا) في شارع عُمان (بضم العين) بالمباركية وجرى حفل كبير لافتتاح المبنى برعاية المغفور له الشيخ عبدالله الجابر الصباح - رئيس دائرة المعارف، وذلك في شهر اكتوبر 1957 بحضور مدير دائرة المعارف الاستاذ المرحوم عبدالعزيز حسين، وجمع غفير يمثل اعضاء مجلس المعارف والعاملين في الدائرة وحضور كبير من وجهاء الكويت وأدبائها ومثقفيها.