من منا لا يعرف الصحابي الجليل المهاجر لله عبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنه، والصحابي الجليل له صفات عديدة اجتمعت في شخصيته، فكان نقيا تقيا جوادا سخيا متفقها بالدين عالما في علوم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وطاهر السريرة، ولهذه الصفات ذات الأخلاق العالية أعطاه الله رزقا وخيرا وفيرا، فلم يتكبر أو يتعال على أحد ولم يثن ثراه عزمه على العطاء والجود والكرم.
وعندما كان عبدالرحمن بن عوف يهاجر في سبيل الله يترك كل ما لديه من أموال وتجارة ويبعد عن أموره الدنيوية عن قناعة، فكان يفني روحه في سبيل الدعوة الإسلامية ويضحي لها بالنفس والنفيس، وقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن ربيع رضي الله عنهما، روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها سمعت وهي في بيتها رجة بالمدينة، فسألت ما هذا؟ قالوا بعارين لعبدالرحمن بن عوف قد قدمت من الشام تحمل أرزاق الله، وكان عددها سبعمائة بعير حطت المدينة ترتج من صوتها، فقالت عائشة أم المؤمنين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول« قد رأيت عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا» وحينما علم ابن عوف بهذا ذهب إليها وسألها عما بلغه، فحدثته بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أشهد أنها كلها بأحمالها في سبيل الله».
وهناك قصة أخرى على كرمه أيضا أنه مرض ذات يوم، فأوصى بثلث ماله، ولكن الله سبحانه وتعالى قد من عليه بالشفاء، ولكنه نفذ وصيته ثم نادى «يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من كان من أهل بدر له أربعمائة دينار» وقد تصدق في هذا اليوم بمائة وخمسين ألف دينار، فلما دخل عليه الليل وجلس في بيته يروي ابن عباس كتب «جريدة» عبدالرحمن بن عوف بتوزيع جميع أمواله على المهاجرين والأنصار، حتى قميصه الذي على بدنه وعمامته، ولم يترك شيئا إلا كتبه للفقراء والمساكين والمحتاجين ثم خرج للمسجد وصلى، وبعد أن أدى صلاة الفجر خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هبط جبريل عليه السلام فقال يا محمد «إن الله يقول لك أقرئ مني على عبدالرحمن بن عوف السلام وأقبل منه «الجريدة» ثم ردها عليه وقل له قد تقبل الله صدقتك وهو وكيل الله ووكيل رسوله فليصنع في ماله ما يشاء وسيتصدق منه كما كان من قبل ولا حساب عليه وبشره بالجنة».
هذه إحدى الصور المشرفة ذات العطاء والكرم لرجل مسلم جند كل ثروته من اجل خدمة مجتمعه ووطنه وإسلامه ولم يجعله حكرا على نفسه أو إكبارا على الناس، إنما النفقة في سبيل الله؛ لذلك استحق الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف، رضا رب العباد ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أحبه لخلقه وحرصه على الإسلام ونصرته.
حقيقة لابد أن تسطر لهذا الإنسان ذي العطاء الكبير حتى يكون عنوانا صادقا ونبراسا للآخرين ممن يملكون المليارات والملايين أن يحذوا حذوه، فالمال لا يدوم والعمر لن يدوم، فالعمل الصالح وجزاء العطاء في سبيل الله سبحانه وتعالى هو الذي يدوم ويسجل في ميزان حسنات الإنسان يوم يقوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون.
هدانا الله جميعا لما فيه خير الإسلام وحنن قلوب الأغنياء على إخوانهم الفقراء في شتى بقاع العالم.