ماذا يجدي أن يكون للمرء مسؤوليات أو أن ينجح إذا كان تعيسا؟ في الماضي عندما كنت شابا كانت عندي رؤية مثيرة للشفقة عن الشيخوخة كنت أعتبرها الاستلاب التدريجي لكل امتيازاتنا، إذ إن كل ما يصنع لنا قيمتنا كان يسحب منا تدريجيا مع التقدم في السن ثم لأننا لا نستطيع أن نوقف الزمن بدأت أحس بتأثيره. في البداية لا ندرك ذلك حقا ولكن فقط عندما نعثر على صورة أخذت قبل سنوات ندرك ما يحصل وعندئذ يأتي التدهور ومن تلك اللحظة تثبط المعنويات شيئا فشيئا ثم لا نعود نفكر في الأمر وتستمر الحياة إلى وقت الشيخوخة.
يقول أحدهم: ذات يوم كنت في حوالي الخمسين أدركت شيئا مذهلا: بينما كنت أفقد كل ما كان يعتبر فخرا بالنسبة لي أصبحت أحس أفضل وأفضل في نفسي كان ذلك غير منطقي وغير مفهوم ولم أكن أنتظره، حينئذ حدث شيء قلب حياتي ففي تلك المرحلة كانت قدراتي الشخصية قد بدأت تضعف شيئا ما، ولقد فقدت عملي فجأة وقد كان ذلك حينها صدمة بالنسبة لي، إذ كانت البطالة شيئا نادرا، كان العديد من الناس ينهون حياتهم المهنية، فالوظيفة ليست شيئا مضمونا بشكل رسمي مدى الحياة لكن عمليا يظنها الإنسان كذلك، وبعد أن تجاوزت الصدمة والإحساس بالغضب شعرت بكثير من الحزن لكن الحزن أيضا انتهى، إذ لم اكن قلقا لأنني كنت أثق في قدراتي على إيجاد عمل، وكنت اعرف أن مهاراتي قابلة لأن تنتقل إلى مجال عمل آخر.
إنه من الخطأ أن أحدد نفسي من خلال مجالي المهني وحسب، فإنه عندما يحين الوقت يتغير ذلك وكأنما تنتزع نفسي من ذاتي، وهذه بلا شك تعتبر معاناة شديدة لكن ذلك كله انتهى عندما اكتشفت أن حياتي لا تنحصر في ذلك المجال أو ذاك الدور وإني لم أكن وظيفتي لكني إنسان يمارس تلك الوظيفة وحسب.
هذا يؤكد أننا نرتبط بما نفخر به إلى درجة تقمصه، ونعتقد أنه ما يصنع ذلك الفخر والعزة لدينا، وكلما زاد اعتقادنا بعدنا عن من نحن حقا.
إن الفخر بغير الذات وإنجازاتها وقود ملوث لآلة تقوم بتحويل طبيعتنا الحقيقية إلى شكل زائف يضعف من قوة وجودنا ويرسخ تلك الهويات الزائفة، لذلك ولكي لا نحارب طواحين الهواء علينا أن نفهم الواقع ونحسن فهم ذاتنا القادرة الواعية الخلاقة.