يتحدث المفكر شارل مالك عن «الحركة الصهيونية» و«أميركا والعالم العربي»، وهي محط اهتمام الاستراتيجية الإسرائيلية فيقول: «كانت القضية الفلسطينية ولاتزال، أخطر قضية عربية على الإطلاق، ومآلها بالتالي هو مآل العالم العربي بكامله، ونكبة فلسطين هي صورة جلية للنكبة العربية». ويقول «كل ما حصل حتى الآن في فلسطين وبصدد فلسطين، ليس سوى بداية، أما الخاتمة، فإما ستكون محق العالم العربي واستعماره من قبل اليهود، أو نهوضه من جديد عالما عصريا محترما ومشتركا مع الحضارات الحية في خلق القيم وصيانتها، ومهما يكن من أمر، فالمستقبل القريب سيكون أكثر ظلامة من الحاضر وأقوى خطرا من الماضي».
ثم يشرح شارل مالك ذلك بالقول: «دخول إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة، ليس عملا تقف عنده مطامع اليهود وينتهي به خطرهم، ودولة إسرائيل بوضعها وحدودها الحالية، ليست مستقرا للقوة اليهودية الغازية، بل هي مركز تجمع لها وتربة لنموها، ونقطة لانطلاقها وتوثبها على الأقطار العربية المتاخمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا».
وبحسب شارل مالك، فإن «المرحلة التي انتهت بنشوء إسرائيل، هي توطئة للمرحلة التكميلية التالية، التي تهدف إلى استعمار واستعباد العالم العربي بالفعل، وفي هذه المرحلة سيعمل على التأهب للتوسع في العالم العربي وتعميق الاستيلاء على مقدراته».
أما أميركا فيرى شارل أنه «يجب تفسير مشاريع المساعدة والتنمية التي تصدر عن أميركا بأنها في الغالب، ترضيات مغرية للشعور العربي المنفعل، وتهدئة ظاهرية بما ينم عن وجود عطف على العالم العربي واهتمام بتقدمه، وباطنها يربط التقدم العمراني العربي باستتباب الدولة اليهودية». ويقول: لقد نجح الصهيونيون، بيد أنهم لن يقنعوا بهذا النجاح الجزئي، لأن مطامحهم لن تنتهي عند فلسطين التي استولوا عليها، وأما المرحلة الثانية فهمهم أن يبرهنوا أنهم هم المختارون لإنماء الشرق، وأنهم هم القوة الحقيقية فيه، وهم ممثلو مصالحه ومقررو إرادته، وفلسطين بكاملها لا تكفي حاجات اليهود، فإسرائيل تريد السيطرة على العالم العربي، وتريد أن تكون وريثة جميع عهوده السابقة، فكما أنه عرف مرة، كله أو جزؤه، بالعهد الروماني، أو البيزنطي، أو العربي، أو العثماني، أو عهد الانتداب، هكذا تريد الصهيونية أن يعرف في عهده العتيد بالعهد الإسرائيلي، فالعالم العربي هو المدى الحيوي للصهيونية، فإذا ظل هذا هو الحال في العالم العربي (الترقيع، السطحيات، التفكك، النشوة بالماضي، السياسات المرتجلة، عدم الإصلاح الصادق)، فإنني أجزم بأن مستقبلنا هو استعمار واستعباد من قبل اليهود، ولن يحزن على استعبادنا أحد وسيأتي يوم ينجح فيه اليهود في إقناع الغرب وإقناع بعض سياسيينا ومفكرينا نحن، أنهم هم واسطة الاتصال بين الغرب والشرق الأدنى في الاقتصاد والعمران والثقافة والسياسة، وسيأتي أيضا يوم تصبح فيه المشاريع الاقتصادية والتعميرية والخطط الإنقاذية كافة، مستندة في أساسها إلى الإرادة اليهودية، رامية إلى إرغام العرب على الاعتراف بإسرائيل والتعاون معها، وستكون هذه المشاريع مركبة بشكل يؤدي في الدرجة الأولى إلى ترسيخ أركان إسرائيل وجعلها حجر الزاوية في بنيان الجهاز الاقتصادي وركن التقدم العمراني في الشرق الأدنى.
إننا نسأل أنفسنا كيف يمكن مواجهة هذا التحدي وهل أمتنا واعية بحتميتها؟