«عمرت البلدان بحب الأوطان» عبارة مأثورة تأتي من عمق تجارب البشرية المتواترة عبر الزمن والتاريخ لتؤكد أن الهوية الوطنية هي في جوهرها تعبير عن حالة إنسانية طبيعية ذات بعد فلسفي إنساني، ولكن الخلل يأتي من عدم وجود سياسات وطنية واضحة تجسد الوطنية والمواطنة عبر برامج ومشروعات حقيقية واختزال الوطن في وثيقة ورقية محدودة.
إن الأوطان أشمل من الأرض والتراب، لأن جوهرها هو النظام القيمي والاجتماعي والأخلاقي مهما تباينت في الجغرافيا والتاريخ والعقيدة الدينية وغير ذلك، إذ إن كل وطن يتمتع بخصوصية ذاتية، ولكن تشترك في ضرورة ريادة وتفعيل الخيارات الوطنية في مستويات الحياة المختلفة وتذويب الاختلافات والتنوعات في أبعادها السلبية.
الهوية الوطنية ليست من الكماليات وإنما هي حاجة وجدانية وأساسية في حياة الإنسان، كما أن الوطن لا ينهض إلا بالمواطن ولذلك يجب احترام ذات وحقوق المواطن وتكريم الإرادة الإنسانية لأنها هي التي تخلق الانتماء الوطني وتجعله يتجذر في المواطن ليمارس دوره الطبيعي في الحياة من خلال الانفتاح والتواصل وبهذا التكامل يصبح الانتماء واعيا وحكيما وصادقا وبعيدا عن أمراض العنصرية والطبقية والتمييز.
هناك من يحول الانتماء الوطني إلى سلاح لتهميش غيره، وهذا أخطر من القنابل والصواريخ، لأنه سلاح بيولوجي يدمر أساسات البناء الإنساني الطيب.
لا ريب أن المواطن هو الذي يحقق الفاعلية وليست الدولة، لذلك فإن انفتاح المواطن كفرد أو كمجتمع سيجعل كل المواطنين يسهمون في تحقيق العدالة الاجتماعية التي تحمي الجميع من الفتن والمخططات.
إنه من المعيب حقا أن يكون المواطن مهملاً لالتزامه الوطني، فإن الانتماء والولاء إذا كان صادقا وحقيقيا فإنه ينبغي أن يحفزنا نحو العمل للارتقاء بالوطن والمواطن ولتعزيز وحدته وتضامنه وبناء مستقبل جميل.
إن الثقافة الوطنية الصحيحة هي تلك التي لا تقبل العزلة ولا تمتنع من التواصل الإنساني والحضاري وهي التي تؤسس للتواصل فإننا أحوج ما نكون إلى ثقافة الحياة الكريمة الطيبة الصديقة المتواصلة مع كل الأمم الإنسانية.
إن ما نشهده في الآونة الأخيرة من نشر للكراهية بين الفئات التي تعيش بيننا أمر غير مقبول، لأن الكويت تأسست على حب الإنسان مهما كانت جنسيته أو لا جنسيته، ويجب أن تظل الكويت كذلك لأنها منارة الحب ووطن العدل وهكذا تستمر.