يتسم عالمنا اليوم بالحركة المتسارعة نحو تكريس المختلف عليه وترقيته ليصبح بؤرة صراع، ولذلك يسعى الأشرار نحو شيطنة كل شيء لإفراغ الكيان الروحاني من الإنسان من روحانيته وليصبح عبدا للأشياء وحسب فيجري وراءها بشكل محموم، وبالتالي يفقد سكينته ويعيش بلا يقين ولا غاية، وهناك من يعمل ليزيد من حالة الاختلاف والصراع والنسبية اليوم مع أن هناك تطورا رهيبا متسارعا في إنتاج التقنية والمعرفة النابعة منها.
إن الحقيقة المريرة في عالمنا المعاصر هي: أن الإنسان في هذا الزمن يتسم بتكبر غير محدود، فهو الذي يكون على صواب دائما وهو الواعي المثقف الوحيد، أما غيره فليس كذلك، والحقيقة أن هذا خداع كبير يبتلى به الإنسان ووهم كبير إلا أن علاجه بسيط جدا وهو حث الإنسان على التأمل الصادق، ولذلك فإن «التأمل الصادق» علاج عظيم ينير للذات الإنسانية درب المعرفة الحقة، وهذا التأمل علم ذو قواعد تدريبية وعلمية وفلسفية، وهو يساعد على خلق حالة من الأمل والإيجابية والتنور الفكري لدى الإنسان.
ولا ريب أن الأمل هو أول حافز يحفز الإنسان نحو اليقين وراحة العقل، وهو النقطة التي يبدأ منها مع الذات لكي يعرف الطريق السليم لبناء الذات الواعية بدنياها ودينها، ولا ريب أن حوار الروح مع القلب هو إثراء معرفي وتأمل روحاني في الدين، وهو ما يحتاجه الناس اليوم، لأن أكثر من يتدين لا يعرف ما هو الدين وكيف يتدين به، بل الكثيرون لا يعرفون لماذا يتدينون من الأساس.
إن الممارسة الدينية وتجربة الإنسان في الالتزام الديني ورحلته الروحية والمعنوية تحتاج إلى ارتكاز قوي على الأسس العلمية والتفكر السليم القائم على البرهان والمنتج لمعرفة دقيقة، ولذلك فإن التمييز بين الإدراك التام والواعي وبين الوهم المرتبط برغباتنا الدنيوية اللاواعية مسألة في غاية الأهمية.
إن الإنسان ليس شريرا بطبعه ولم يخلقه الله سبحانه وتعالى شريرا ولم يخلقه سلبيا متشائما، لأن الله خلقه بحب والحب لا ينسجم مع الرذيلة - القطيعة - الكراهية - اليأس - العدم، لذا فإن التمسك بالأمل والتفاؤل من ركائز الإيمان واليقين، أما التشاؤم والقلق واليأس فإنها كفر بالنعمة التي أسبغها الله علينا إذ أخرجنا من العدم المحض إلى فضاء الوجود وجماله اللامحدود، لذا يجب أن نسعى نحو تحقيق الجمال - النقاء - الخير، لصناعة عالم يسوده التعايش بين كل مخلوقات الله على الحب والوئام، أما أن نتذمر فإن ذلك يعني أن نقبع في زاوية مظلمة من الحياة يسودها اليأس - الخوف - سوء الظن، وكل قبح مستتر.