يعتبر الإعلام بشكل عام السلطة الرابعة Fourth Estate بعد السلطات العليا الرئيسية - التشريعية والتنفيذية والقضائية - في سياق إبراز دور الإعلام على أنه أداة فاعلة جدا في المجتمعات وفي العالم بشكل عام، إذ يعتبر المؤثر الأول والرئيسي تجاه الرأي العام، حتى اصبح للإعلام وسائل عديدة غير اعتيادية، لتصلنا آخر المستجدات من خلال هواتفنا الذكية التي نحملها بين ايدينا، وحتى من خلال الساعات الذكية التي نرتديها الخ.
فهذه التقنيات لم تأت من فراغ، بل أتت بعد دراسات وخطط عميقة، ربما لم تخطر على بالنا، فمنذ بداية التطور التقني والإعلامي إبان الحرب العالمية الأولى، أصبحت وسائل الإعلام مركزا هاما بل ورئيسيا في تغيير الأحداث وخاصة عند المتلقيين أو القراء، فكيف حصل ذلك؟
اكتشف عالم الاجتماع الأميركي هارولد لاسويل نظرية جديدة فاعلة لتغيير الرأي العام، فقد وجد أن هناك وسائل إعلام تصنع محتوى، وهناك أفراد «متلقون»، وهؤلاء الأفراد لا يعرفون بعضهم البعض، ولا يعيشون مع بعضهم، واستنتج نظرية اسماها «الرصاصة السحرية»، وهي نظرية تعتمد على مدى تأثير نشر الأخبار بالسلوك المباشر للأفراد، مثال على ذلك، تنقل وسائل الإعلام خبرا معينا لأفراد مختلفين، في مناطق مختلفة، في نفس الوقت، ينتج عنها تأثير وتفاعل مباشران للخبر أو الموضوع، وهنا يركز الإعلام على تغيير سلوك الفرد سواء بالإيجاب أو السلب، بإطلاق تلك «الرصاصات السحرية» وانتظار النتائج المبهرة، ولن يستطيع المتلقي التفريق بين الرسائل الحقيقية من الكاذبة أثناء الحدث.
وكثير من صانعي المحتوى الإعلامي المدبرون هم في قمة الذكاء والدهاء، فبعض الشركات تشتري الأفكار «بمبالغ فلكية» لتبيعها على المغفلين، وبالفعل تنجح في ترويج أفكارها بما يخدم مصالحها أو مصالح مجاميع معينة، وجماعات معينة.
وهذه النظرية على الرغم من قدمها، إلا أنها مازالت فعالة في مجتمعاتنا العربية وهي ما خلقت صراعات عديدة ووجهت الأفراد لكل حدث وتلاعبت بالحقائق، وخلقت سلوكا جديدا في عالم الإعلام. فهذا التطور الذي نشهده عبر منصات التواصل الاجتماعي لم يأت من فراغ، بل ما يحدث اليوم هو إطلاق «رصاصات سحرية» غير مباشرة من خلال الشبكات الإخبارية، وبعض الحسابات الوهمية، إضافة إلى الفئة التي تصنف على أنها «المؤثرة» والتي أيضا تلعب دورا كبيرا في تغيير السلوك والتوجهات للأفراد، فقد لعبت تلك الرصاصات السحرية دورا في إثارة الربيع العربي، والهجمات الإرهابية، وتجهيز الغزاة والمجاهدين، وتفجير المساجد، إضافة إلى أعمال الشغب والإرهاب والتطرف والعنف وخلق معارضة وهمية، وتحريك الشارع، وإشغال الناس، وإثارة الجدل، وخلق الصراعات.. إلخ.
نظرية الرصاصة السحرية، لن تتوقف إلا بوعي مجتمعي يحتم علينا البحث عن الحقيقة بأنفسنا لا من خلال نسخ ولصق الأخبار والإشعارات، يجعلنا نتلقى، ثم نحلل، ثم نفكر، ثم نستنتج،
٭ بالقلم الأحمر: لم ينفق على هذه المنصات الإعلامية ملايين الدولارات لنستخدمها «بالمجان»، فليس من الحكمة أبدا عمل ذلك.
AljaziAlsenafi@