في بداية التسعينيات قام الباحث الأميركي «روبرت بروكتر» بصياغة علم ومفهوم جديد اطلق عليه «علم الجهل» وهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل في المجتمع بطرق علمية رصينة قابلة إلى التصديق، فالجهل ليس انعدام المعرفة فقط، بل هو منتج يتم صنعه ورعايته ونشره لأهداف معينة، قد تكون سياسية أو نيابية أو تجارية في أنحاء المجتمع، هدفه التأثير علي صناع القرار وعلى الرأي العام، وهذا العلم يستند إلى بث الخوف والرهبة لدى الآخرين، ومثال ذلك الحكومات التي تبث الرعب لدى المواطنين لتمرير مصالحها ببث أخبار عن المستقبل المظلم أو عدم القدرة علي الالتزام بحقوق الناس على المدى البعيد بسبب العجز بالموازنة وإثارة الشكوك وصنع أعداء وهميين.
وكذلك ما تقوم به بعض شركات التبغ في بث الأموال الضخمة في الدعاية لتسويق منتجاتها، حيث تبث للمجتمع بأن منتجاتها ليست قاتلة ولا تسبب الأمراض، وكذلك بعض شركات المشروبات الغازية التي تحاول أن تثبت أن منتجاتها لا تسبب السمنة والسكري ولا أمراض هشاشة العظام.
صدق أبو القاسم الأمدي حين قال:
إذا كنت لا تدري ولم تك بالذي
يسائل من يدري فكيف إذن تدري
جهلت ولم تعلم بأنك جاهل
فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
في ظل التطور الهائل في هذا العصر الرقمي، أصبح الجهل والتجاهل والتضليل سلعة يومية تنتشر بين الجمهور من حكومات وشركات ومسؤولين، الهدف منها الحصول على المزايا وتحقيق الأهـــداف بعيدا عن أي من أنواع الرفـــض، فالجهل بطبيعته نوعان الجهل الذاتي والجهل الصناعي وهو الذي نقصـــده، وفيه يتحـــول الجهل إلى سلعة تسوق وتعرض للعامة نتيجة برامـــج وبحوث علمية مدروسة وقابلة للتـــصديق والنشر، وعلى المجتمع الفـــطن أن يتصدى لهذا العلم بالتضافر والتلاحم والعقل الرشـــيد، وليس الانسياق للدعايات التــافهة ولتلك الأفكار التضليلية التي تهدف إلى تحقيق المصالح الشخصية.
[email protected]
bnder22@