من المستحيل أن يكون البشر على وتيرة واحدة ووفق نفس الشاكلة، فمنهم الطيب ومنهم السيئ، لهذا نجد أن الطيب صاحب النية الصافية يعيش في هذه الحياة بمنطق: عامل الناس جميعا بالصدق قلبا وقالبا، سواء كانوا من الذين يستحقون تلك المعاملة أو كانوا ممن ليسوا أهلا للتعامل معهم بتلك الشفافية التامة، ويظل كذلك رغم كثرة الذين يظهرون له عكس ما تخفيه نواياهم، فتجدهم مثلا: يتصنعون بإظهارهم الجانب الإيجابي، لكن في باطنهم نقيض ذلك حيث انهم لا يتوانون ولو للحظة حين تتاح لهم الفرصة في طعنه وخذلانه بكل قوة، أي انهم يظهرون له الخير وهم يتصيدون له الشر، ويحملون في قلوبهم غلا ويحقدون عليه، لا لشيء إلا لأن جوهرهم الخبيث يأبى التعايش مع نقاء صاحب النية الصافية.
لذا تيقن أن لكل عاقل مختار قصدا معينا وراء أقواله وأفعاله وتصرفاته وكل ما يصدر منه، بمعنى أن كل ما نقوم به في مختلف مجالات حياتنا يكون لغرض ما، وقد يكون هذا الغرض ظاهرا للعيان في تصرفات جوارحنا أو خفيا عنهم لضموره في سرائرنا، سواء بالقول أو القصد المستبطن من الفعل، أي ان النية أمر باطني أو قلبي إلا أن لها آثارا ملموسة خارجيا سواء كانت آنية أو تتطلب مهلة زمنية لتطفو على السلوك.
أما البشر فهم يتصرفون وفق ما يحملونه من نوايا، منها ما يكون صافيا دالا على صدق القول وحسن العمل ورقي الأخلاق، ومنها ما يكون ملوثا معبرا عن تلطخ القلب بالخبث والنفاق وفساد ما يصدر من النفس.
كما تأكد أيضا أن في زمننا هذا مهما كان داخلك شفافا نقيا إلا أن هناك من لا يرون سوى الغبش ويتغاضون عن كل ما هو نقي جميل فيك، لهذا تجدهم لا يستوعبون صفاء روحك، وإن اقتربت من القداسة أيضا لن تسلم وستجد ثمة شخوصا يصنعون قرون الشيطان لك، وخير مثال على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أصفى الناس نية إلا أنه تعرض لأبشع صنوف الإيذاء، فهؤلاء البشر هم عبارة عن مصدر لمضايقة الآخرين، يسيئون للغير من خلال أقوالهم التي يتفوهون بها أو أفعالهم التي يقومون بها والتي من شأنها أن تسبب تلك الشرور.
وهناك نقاط جمة أكثر عمقا تتعلق بالصفاء والنقاء، لا يكتمل إدراكها إلا بسمو المرء على الغرض الشخصي المادي الذي يشكل جزءا غريزيا منه، ولا ترتبط بالجانب التعبدي فقط! بل تشمل ميادين حياته كلها.
والشخص الصافي النقي لا يثبطه ولا يكبحه ما يتعرض له من سوء، بل على العكس تماما يسهم ذلك في دفع عجلة الإنجاز عنده إلى أفضل وأعلى المنازل، حيث تصبح نيته الصافية فكرة عملية مركزية حاكمة لسلوكه ومسيطرة على عقله وصناعة قراره، كما يبقى هو ذا شفافية جميلة وإن لقي الكثير من الأذى، لا يتغير ابدا، كونه على ثقة تامة بأن صفاء نيته وطهارة جوهره لن تخبئ له إلا أجمل الأقدار.