للتصالح مع الآخرين عليك ان تكون أولا متصالحا مع ذاتك، فقيمة الإنسان الحقيقية في تقبله لذاته، أي أن تقبلها بكل عيوبها، بضعفها وزلاتها دون أن تحكم عليها، ودون أن تصنفها.
فالتصالح مع الذات يعد من أجمل وأروع الصفات البشرية التي تتناغم مع الضمير الإنساني، فبوجودها ترتفع يقظة الذات، وبها يستطيع المرء النجاة بذاته من اجتياح الخبث والحسد وفساد الأخلاق، التصالح مع الذات هو التعامل بتلقائية مع النفس دون تكلف وتصنع وتختل أو مباهاة، هو الرضا والقناعة بما أنت عليه.
فالمتصالح مع ذاته شخص قابل لما قسمه الله له من خصائص ومزايا وكذلك النواقص، ولكنه يركز على مزاياه ويعمل على تحسين عيوبه دون كلل وملل.
المتصالح مع ذاته شخص لا يبخل عن استقبال الآخرين بابتسامته المشرقة التي تنثر وهجا جميلا تجعل كل من امامه يشعر بنقاء قلبه المعطاء بكل شفافية تامة وبتلقائية لا حواجز ولا تكلف فيها.
فالمتصالحون مع ذواتهم أشخاص يحكم قولهم وفعلهم الفكر المتزن والعاطفة السليمة والإحساس النبيل، ولكن في المقابل هي صفة ايضا لا يمكنها أن تمنعك من الوقوع ضحية النفوس الخبيثة التي تسلط على المتصالحين مع ذواتهم انتقاداتهم القاسية وتعليقاتهم السلبية بغية تحطيم صورتهم البراقة واللامعة، فما أسهل المكر حين تتهيأ له نفوسهم، وما أيسر الكيد حين تطمئن إليه ضمائرهم للأسف! أناس أصل أخلاقهم الحقد، الحسد، الضغينة!
عليك ألا تقهر نفسك، ولا تهينها ولا تحقرها بسببهم، فعلماء النفس يعزون مظاهر الحسد والحقد والضغينة إلى الصفات الغالبة لبعض الناس بسبب فشلهم في حياتهم ونقصهم وانطوائهم على أنفسهم.
بخلاف المتصالحين مع ذواتهم تجدهم ناضجين عفويين ويتصرفون على سجيتهم ولا يحاولون إثبات نقائهم لغيرهم، بل يتعاملون مع الجميع بكل أريحية وبمشاعر طبيعية دون قيود وإن اختلفت المواقف والظروف.
وأستحضر هنا قول الكاتب الروائي والرسام الأميركي هنري ميلر: «إن النضج يكتمل عن طريق التصالح مع الذات والتصرف بتلقائية وعفوية دون التقيد بقوانين معينة»، لذلك فهم أشخاص قادرون على إسعاد ذواتهم واكتشاف متعة الحياة في أي شيء وبجميع الحالات، لأنهم لا يربطون حصول ذلك بأمور خارجية.
كما اننا جميعا نبحث عن هذا التصالح السامي الذي يتطلب عناصر شخصية عدة منها التفاؤل، الابتسامة، الإنصات، احترام الغير، التسامح، التواضع، الابتعاد عن التصلف والتكبر والغرور وغمط الناس..إلخ.
فالتكبر والغرور من أخلاق إبليس، فمن أراد الكبر فليعلم أنه يتخلق بأخلاق الشياطين، ناهيك عن كون الكبر سببا لحرمان صاحبه من الجنة، عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر».