أن يرمي الإنسان كل ما فيه من صفات بشرية في زمن تتقدم وتعلو فيه الأنانية التي تولد الحسد، والحسد الذي يولد البغضاء، والبغضاء التي تولد الاختلاف، والاختلاف الذي يولد الفرقة، والفرقة التي تولد الضعف، والضعف الذي يولد الذل، والذل الذي يولد زوال الخير والنعم، وتتربع على عرش الصفات السيئة، لهو أمر ليس بالسهل أبدا، ذلك كحب الخير للغير مثلا والذي يعتبر من أشد أنواع الجهاد الذي لا تستطيع ولا تقدر عليه معظم النفوس، إذ يتعين أن يكون المرء راضيا تمام الرضا عما هو فيه، موقنا في أن الله وحده سبحانه وتعالى وراء توزيع الرزق والنجاح والتوفيق، وإلا فإنه سيحمل ضغينة ما في نفسه، لذلك اتفق غالبية العلماء إن لم يكن أغلبهم على أن حب الخير للغير جهاد ليس كمثله جهاد، لما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
لا يؤمن: أي الإيمان الكامل، ما يحب لنفسه: أي مثل الذي يحب لنفسه، «لا يؤمن أحدكم»: فالنفي هنا للكمال والتمام، وليس نفيا لأصل الإيمان، «حتى يحب لأخيه»: المسلم، «ما يحب لنفسه»: أي من الخير، والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، وهذا هو مقتضى الأخوة الإيمانية، والمراد بها أيضا أن يحب كل إنسان أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له، كما قال النووي رحمه الله: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع، وليس كذلك، إذ معناه: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام ما يحب لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه، وذلك سهل على سليم القلب فقط بعكس القلب الدغل فذلك يعسر عليه.
فعند الجهاد يكون الله في معية المجاهدين، الذين يخرجون في سبيل الله ويضحون بأنفسهم، وهكذا حب الخير للغير، لا ينتظر صاحبه مقابلا، فيكون الله خير عوض لذلك، ولكن قلة قليلة من الناس للأسف التي تعمل وفقا لقانون هذه الفضيلة الرائعة، ولكن في المقابل أيضا تعتبر هذه القلة القليلة هي فخر الجنس البشري وفخر كل إنسان.
لذلك يعتبر حب الخير للغير من صحيح الإيمان، كما قال أيضا صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه»، ولا تتواجد تلك الصفات إلا في المؤمن الصالح.
فإذا أردت عزيزي المسلم أن تتحلى بأهم وأبرز صفات المؤمنين حقا، فعليك أولا أن تنقي قلبك ليحب الخير للناس، حتى لو كان لا يملك من حطام الدنيا شيئا، فالمودة والمحبة والتعاون صفات يجب أن يتمتع بها كل مسلم تقي، مهما كانت ظروفه، فلا يقول إنه فقير، وكأن فقره يعطيه الحق في الحقد وحمل الضغينة على الآخرين، وهذا ليس من الإسلام في شيء.
وفي ذلك، يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه».