في زمننا هذا كثيرون هم أولئك الذين يتبجحون علينا بأدبهم وفنهم وما يحملونه من ألقاب، فيكتبون للناس الأفكار الجميلة ويقومون بإظهار أعمالهم الرائعة ويدعون الإحساس الشديد بالآخرين، بينما هم في واقع الحال ليسوا متناغمين مع ما يقولون أو يفعلون، فتجدهم يتعالون على العوام ويتجاهلونهم ولا يعطون القيمة إلا لأصحاب البريق والشأن والمنفعة في تعاملهم!
هذا وبخلاف أننا اصبحنا وسط مجتمعات تحسب حساب المظاهر قبل أي حساب آخر حتى لو كان الأمر متعلقا بالقيم الأخلاقية فإنه يتم تجازوها وعدم الاكتراث لها، لهذا لا أرى أن هنالك إهانة للذات أكثر من التعامل معها من منطلق سطحي مغلف بالنفاق، كاستخدام الطرق غير الشرعية لإثبات أفضليتها للآخرين عن غيرها وإن كانت على النقيض من ذلك.
كما أن أغلب الألقاب في المجتمعات المتخلفة لا تعني شيئا على مستوى القيمة العلمية والعملية، لأنها لا تعبر دائما عن الحقيقة وليست مقياسا للأفضلية، خصوصا أن الألقاب أصبحت اليوم نوعا من أنواع مظاهر التفاخر التي يتم السعي لنيلها بكل الطرق الممكنة ولو على حساب كل ما هو أخلاقي.
فمنذ متى كان الارتقاء في سلم النجاح الحقيقي وبلوغ المجد بطرق لا تمت للأخلاق الحسنة بأي صلة؟ وهل يعقل أن تحكم على أفضلية أحد على غيره لمجرد أنه يمتلك شيئا لا يعكس الواقع كما هو؟!
وتطرقي هنا إلى الحديث عن الألقاب والشهادات ليس بمعرض إعطاء صورة قاتمة عليها أو الانتقاص والتجريح ومحاولة النيل من كل من يحملها، لكن الغرض من ذلك كله هو كشف الحقائق بلا زيف وإظهار مكامن التضليل، لهذا فاختيار هذا النهج بالتحديد راجع لكونه الأنجح في إسقاط الأقنعة، خصوصا التي يرتديها من يحسبون أنفسهم أنهم الأفضل ويدافعون بضراوة عن الألقاب المزيفة التي يلصقونها لأنفسهم بعد تضخم أناهم الفارغ، أو الذين يفتخرون بشهاداتهم التي تفتقد لأية قيمة إضافية حقيقية للميدان العلمي والعملي، كما ان هؤلاء بالذات لا يمكن أن تجدهم في المواضع التي يكشف فيها عن المواقف الشريفة بلا خوف من ردة فعل أي كان، هم فقط يلجأون إلى ألقابهم للفت الأضواء ولجذب الاهتمام المتوهم والتقدير الزائف من غيرهم، وهي ميزة لا تضفي لهم سوى بريق وقتي ولمعان لحظي قد يزول مع أول تعامل مهم، وهذا لا ينفي في المقابل وجود الذين نالوا ما ذكرنا عن جدارة واستحقاق.
كما ان الألقاب والشهادات العلمية أو غيرها يستحيل أن تثبت حقيقة المرء أو أن تدل على أفضليته على غيره من دون الدراية التامة بالمواقف الشخصية والممارسات التي تصدر منه، فكم عرفنا من أناس حاصلين على شهادات عليا وهم فارغون مما تصرح به وخالين مما تقتضيه، وفي المقابل نبصر آخرين لم ينالوا هذه الشهادات لكن اسمهم المجرد بدون ألقاب أعظم من كل لقب لارتباطه بكرم اخلاقهم وبعطائهم النبيل وصنيعهم الإنساني، ففي النهاية يبقى اللقب مجرد صفة تنسب للشخص وتعرف إليه بغير اسمه، وتبقى الشهادة العلمية مجرد ورقة ما لم تثبت صحتها في الواقع.
٭ يقول جي سي رايل: لا ينظر الله إلى الغنى أو الألقاب أو التعليم أو الجمال، هناك شيء واحد فقط ينظر إليه الله، وهو الروح.