حب الذات مطلوب حينما نعرف أن الله أودع هذه الغريزة في الإنسان حيث عن طريقها يحمي نفسه ويخاف على حياته، وأودعها الله بنا على فطرة سليمة ونفس صافية، كي نرتقي بأنفسنا وأرواحنا ونرنو بها دائما في كل المواقف والأحداث التي تمر بنا، ومن يحب ذاته يجب أن يجعل هذا منطلقا لحب الآخرين أيضا.
فمن الصعب جدا أن يحب أحدنا الآخرين وهو لا يحب نفسه، ومن الصعب أيضا أن نطلب من الشخص أن يحترم الآخرين وهو لا يحترم ذاته، لذلك كلما أحببنا نحن أنفسنا وقدرناها، كان ذلك سببا في حب الآخرين، لهذا دائما ما يقال إن سعادتك في إسعاد الآخرين.
وكما قال زوي كرافيتز: ستكون أجمل عندما تقدر نفسك، وعندما تحب ذاتك، وتلك حقيقة يجب أن نعرفها جميعا، بأن كل إنسان محب لذاته ستجده تلقائيا محبا للآخرين من حوله، وسيسعى دائما لأن يحقق جميع أهدافه وما يحبه ويحتاج إليه، ولكن دون أن يخرجنا هذا الحب إلى معنى آخر، أي أن نطلق العنان لهذه الغريزة لتوجه شخصيتنا وعلاقاتنا بالآخرين فتنقلنا من هذا المفهوم الفطري إلى مفهوم الأنانية، وما أدراك ما الأنانية؟!
هذا المرض العضال الذي يفوق خطر كل غريزة لأنه يستخدم بقية الغرائز لإشباع متطلباته وهذه الصفة
أو الغريزة ينبذها ديننا الحنيف حيث جاء الإسلام لاستئصال هذا المرض أو ترويضه في إطار شرعي، حيث قال صلى الله عليه وسلم، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، كما يجب أن نعلم أن هناك حقيقة مؤلمة يجب أن نعيها تعد من كبرى المشاكل التي تعاني منها البشرية ألا وهي حقيقة «عالم الفرد»، أي عندما يغلب الإنسان مصلحته على مصلحة الآخرين وهذا هو تعريف الأنانية الذي ينطلق من الأنا.
وعرفت بالأثرة أيضا: بأن قيل في معناها أن يختص الإنسان نفسه بالمنافع أو المصالح الدنيوية ويستأثر بذلك ويهضم حق غيره للأسف، وراجع «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم» إن الأثرة والأنانية إذا شاعت في مجتمع من المجتمعات انحل عقده، وانفصمت عراه، وحينئذ تنقلب المنافع إلى مهالك تهوي بصاحبها في سابع قاع.
لذلك يفترض أن يتحلى كل شخص بعكس هذه الصفة وهي الإيثار، أي بأن يفضل غيره على نفسه، وحينئذ فقط يصبح من المفلحين الذين تخلصوا من شح أنفسهم، يقول سبحانه: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
وفي نظري، فإن الشخص الأناني هو شخص مريض بالغرورية والاستعلاء، يحب نفسه ولا يهمه من حوله، ويسعى دائما إلى تحقيق رغباته فقط حتى لو كانت على حساب الآخرين، وقد يحتاج إلى علاج أو إلى شخص يقف معه للقضاء على تلك الأنانية التي تتواجد في ذاته.
ولا ننسى أيضا أن المجتمع والأسرة لهم دور كبير في ذلك، كما يجب علينا نحن أن نصفي أنفسنا من صفة الأنانية، ونبتعد عن الرغبات النفسية لأنها منشأ الاختلافات، فالأنانية غالبا ما تكون نتيجة تربية أسرية خاطئة، لذلك يجب أيضا على بعض الأسر مراجعة قراراتها في تربيتها لأبنائها، للتخلص من هذه الآفة والسلوك الخاطئ، قال الإمام علي عليه السلام «ثمرة المحاسنة صلاح النفس»، فجمال الإنسان بجمال تعامله وأخلاقه، لا العكس.
وما أجمل أن تكون الحياة جميلة بنا، وما أجمل أن نذوب فيها، فتكون الحياة نحن ونكون نحن الحياة، فبالفعل التعامل جسر نعبر به إلى وجدان الآخرين، ونؤثر به على نفسيات البشر، فدائما ما يكشف تعاملنا عن رقتنا، عن عذوبتنا، عن جمالنا، وعن جمال نقائنا وصفائنا.