إن من يبحث عن عورات الناس وأخطائهم ويتصيدها يجازيه الله سبحانه، والجزاء من جنس العمل، فإن لكل أسرة أو مجتمع أو فرد أسرار يكره كل واحد اطلاع الآخرين عليها، كما أن كل إنسان قد يكون له عيوب وعثرات يتضايق من معرفة الناس بها وقد يفهموها خطأ، وكل ذلك ليعيش الناس في أمان واطمئنان وسعادة واستقرار ومحبة وتعاون دون تورط في نزاع أو خصومة أو فرقة وهجران، لذا حرم الله تعالى إيذاء الآخرين من غير حق، أو التسمع لكلامهم أو التجسس على أخبارهم وأنشطتهم، كما هم أيضا يكرهون استماع الغير لهم والتطفل عليهم، لذا قال الله تعالى: (ولا تجسسوا) أي: (لا تتبعوا زلات الآخرين وعيوبهم)، وقال سبحانه: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا).
ذلك وبالأخص في وقتنا الحالي الذي تنتشر فيه برامج التواصل الاجتماعي في دنيا الناس حتى غدا العالم كقرية صغيرة، فقد أصبح الوضع لا يبشر بخير أبدا، ففي الوقت الذي بلغ بنا الحرص على اقتناء هذه التكنولوجيا والاستفادة منها، إلا أنها أبانت لنا في المقابل عن أخطار كبيرة لم تكن معروفة في السابق، فقد دخلت كل بيت، وأصبحت بيد كل شخص كبيرا كان أم صغيرا.
ولست بالناكرة لفوائد التكنولوجيا، ولا أدعو إلى التخلي عنها كليا، ولكن أدعو إلى التنبه واليقظة لمخاطرها وفضائحها والتي قد تكون فضائح كارثية، يقول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله»، ويدل هذا الحديث الشريف على ضرورة توطيد العلاقات الأخوية بين الناس، وقوة المجتمع، ووجوب صون المسلم عرض أخيه المسلم، وعدم التورط في فضح الآخرين أو احتقارهم أو خذلانهم ونشر غسيلهم ومعايرتهم، فإذا احترم الناس هذه الآداب عاشوا في محبة وسلام، وإذا أخلوا بأدب منها سادت القلاقل فيما بينهم والآثام.
وما أسوأ تتبع عيوب الناس وعوراتهم، فإن ذلك يؤدي بهم إلى الوقوع في المفاسد والإصرار على الفساد والانحراف، روى أبو داود بإسناد صحيح عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن تتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت تفسدهم»، وشتان بين من يتتبع عورته ويتصيد كلماته وعباراته بشر من البشر، وبين من يتتبع الله عز وجل عورته، فإن الله عليم بالنوايا وما تخفي الصدور، والبشر قد يتزين لهم في لحن القول، فالبحث عن الزلات والأخطاء من صفات أهل النفاق عافانا الله وإياكم، يقول ابن المبارك: المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات.
فالبعض صار ينشر الأخطاء التي قد تقع من بعض الأشخاص على الملأ، مما يجعل من البعض الآخر على اختلاف أهوائهم ومذاهبهم يطيرون بها فرحا، إلى أن أصبحت مشكلتنا اليوم مع بعضنا البعض، هو أن البعض منا أخذ يشحذ الهمة في تصيد العثرات والهفوات والسقطات من غير عناية بمقاصد الألفاظ وإحسان الظن بقائلها، وهذا وأيم الله لهو طبع سيئ، وخلق ليس بكريم، قال ابن القيم -رحمه الله- «ومن الناس من طبعه طبع خنزير، يمر بالطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان من رجيعه قمّه وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف المساوئ فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة، أو كلمة عوراء، وجد بغيته وما يناسبها، فجعلها فاكهته ونقله».
ولنتذكر الحديث الشريف: «المؤمن مرآة أخيه».