عين الرضا هي العين التي لا ترى خطأ من تحب مهما فعل لأنها عين محبة، أما عين السخط فهي العين غير الراضية والساخطة، فمن لا تحب مهما فعل لا ترض عنه فلا نعم ولا نعمة عين، فلا وسط عند هذه العين الساخطة ولا وسطية، بل إنها لا تقر أساسا بقول: «خير الأمور الوسط» ولا تعترف به، علما أن أهل الوسطية هم عقلاء القوم ذوو البصيرة النافذة والفكر الثاقب، والغلو في حب الشيء يصم ويعمي، وغالبا لا يأتي بالخير، ومن الخطأ بمكان أن تغض النظر عمن تحب، وكأنه لم يخطئ حتى ولو كان هذا الخطأ كبيرا، فذنبه عندك مغفور، وعلى الضد من ذلك إذا أخطأ من لا تحب اعتبرته خطأ فادحا، ولمته لوما شديدا حتى وإن كان خطأه صغيرا، وهذا ما لا يجوز شرعا وإنسانية، ومع ذلك فهذا الأمر للأسف واقع في كل المجتمعات وخاصة عند بعض الآباء والأمهات بدافع الحب الشديد، فتجد الأب يفضل أحد أبنائه على البقية لأنه قريب إلى قلبه فلا يحاسبه على أخطائه، أما بقية الأبناء فعلى العكس من ذلك يحاسبهم على كل شاردة وواردة، ويؤنبهم تأنيبا شديدا مما يولد الكراهية بين الأبناء، فتكون الأسرة برمتها مضطربة، وقد قال المولى عز وجل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتذكرون ـ النحل: 90)، وقد قال عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر على نفس السياق:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
فيجب أن ننتبه لهذا الأمر المهم جدا، فلا يجرفنا تيار العاطفة إلى التفرقة ولا ننجر وراء أهوائنا، وأن نتحرى العدل والمساواة، ومن لم يتعلم هذا المبدأ الرباني فليتعلمه ويضعه في حسبانه، ثم إن هناك أمرا مهما أيضا، وهو ألا نفتن بالأشخاص ونردد ما يقولونه بلا روية وتأنٍ وتفكير، حتى وإن كان هؤلاء الأشخاص على خطأ، ولا نقول بأشخاص ما ليس فيهم وما لم يقولوه لأننا نكرههم، ولنراعِ ضمائرنا، فالغلو في المحبة والغلو في البغض أمر مرفوض جملة وتفصيلا حتى في ديننا الإسلام.
وقد قيل: من الحب ما يعميك عن طريق الرشد ويصمك عن استماع الحق، وإن المرء إذا غلب الحب على قلبه ولم يكن له رادع من دين أو عقل حاد عن العدل وعمي عن الرشد، ولعل إبداء الرأي حسب الهوى هو ما نراه هذه الأيام فيبني المرء موقفه على العاطفة، وما هكذا تدار الأمور، ولا هكذا يتعامل الناس، ودمتم سالمين.