هذه حكمة تكتب بماء الذهب وربما قالوا على نفس السياق: «من تدخّل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه»، والمعنى واحد، وقد قال المولى عز وجل: (ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) «الإسراء: 36»، وهذا مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» وهذه المثل الرصين يعجب كل عاقل لأنه يمثل بالنسبة له منهج حياة، وسلوكا مستقيما يسير عليه، ولكنه لا يعجب بعض الناس ممن دأبوا على التدخل فيما لا يعنيهم فيفتشون في خصوصيات الناس بغير وجه حق، ويتصيدون في المياه العكرة، ويجعلون من هذا الأمر شأنا يخصهم، وهي عادة سيئة تضر بصاحبها أكثر من إضرارها بالآخرين، فالمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، ولو شغل المرء نفسه بعيوبه لما فتش في عيوب غيره، هؤلاء الناس هم من يقال لهم الطفيليون وهي تسمية لائقة تناسب سلوكهم وتصرفاتهم غير السوية، والتدخل في شؤون الغير قضية يعاقب عليها القانون وقد شغلت المجتمع ولاتزال.
والواقع أن هذه النوعية من الناس تجر لنفسها مشاكل هي في غنى عنها، وكلما جعل المرء نفسه في منأى عن مشاكل الناس وخصوصياتهم زاد احترام وتقدير الناس له، إن التدخل في شؤون الغير إنما يقصد به تصيد أخطاء الناس وهو محرم شرعا، ثم انه تصرف لا أخلاقي، فعدم تدخلك في شؤون الغير واجب عليك لا تفضلا منك.
وقد ثبت أن هؤلاء الناس يعانون من اضطرابات نفسية واجتماعية غير سوية، مع ضعف الوازع الديني والثقافي في سماتهم الشخصية، وهم لا يؤمنون بأن الخصوصية حق للفرد، ولا يعنيهم هذا الأمر شيئا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: من اطلع في بيت قوم بغير إذن ففقئوا عينه فلا دية له، ولكن الفضوليين يعطون لأنفسهم الحق في تتبع خطوات الناس ومعرفة أحوالهم والتدخل في شؤونهم وأدق تفاصيلهم، وسبحان الله أكثر من يعيب الناس ويفتش عن العيوب أهل العيوب، ولله در محمود الوراق، حيث يقول:
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا
فيهتك الله سترا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
وقال الرجل الصالح مالك بن دينار: إذا رأيت قساوة في قلبك، ووهنا في بدنك، وحرمانا في رزقك، فاعلم أنك تدخلت فيما لا يعنيك، وعندما سُئل لقمان الحكيم عن أي عمله أوثق في نفسه قال: تركي ما لا يعنيني، ودمتم سالمين.