باتت المظاهر تشكل عبئا كبيرا على جيوب كثير من الناس، فلم تعد من الكماليات بالنسبة لهم وإنما من الأساسيات، فالمظاهر أولا وأخيرا عند شريحة كبيرة من الناس، حتى كادوا أن يجعلوها قانونا ملزما وحقيقة وواقعا، فهم يحرصون عليها حرصا شديدا وكأنها من ضروريات الحياة القصوى التي لا غنى للمرء عنها، وليس الأمر مقصورا على مجتمعنا الكويتي وإنما في كل المجتمعات، حتى اننا نكاد نصدق ذلك.
وقد وصل الحال إلى تقييم الشخص نفسه حسب مظهره، فلا شأن لهم بجوهره، ولا يعنيهم ذلك شيئا، فالمظهر هو الفيصل في عيونهم، ومن أجل ذلك أصبحت المظاهر الزائفة منتشرة في كل مكان وعندنا في الكويت خاصة زادت وانتشرت، وغالبية هؤلاء الناس ينطبق عليهم المثل الشعبي الجميل الذي يقول: عندك تغرم؟ قال عندي، قال عندك تأكل؟ قال لا ما عندي، وهذا واقع الحال، كثير منهم يتظاهرون بالغنى وهم غارقون بالديون حتى آذانهم، لا يملكون إلا راتبهم وهذا الراتب لا يتسلمون منه سوى النصف، وهذا النصف لا يقاوم سوى أيام قليلة ثم يصبح الجيب خاويا تسفوه الرياح.
انظروا إلى الولائم والأعراس والبذخ فيها، كل ذلك من أجل التباهي والتفاخر، وهذا دليل على انعدام القناعة عند بعض الناس، وكأنهم لم يسمعوا المثل القائل: «الناس مخابر وليس مناظر» بل إن تصرفاتهم قلبت هذا المثل الحكيم رأسا على عقب فصار: الرجال مناظر وليسوا مخابر، ظنا منهم أن المال هو كل شيء في هذه الحياة، وقد أثبت علم النفس بما لا يدع مجالا للشك أن هذه العينة من الناس يعانون من النقص في شخصياتهم، فيفرغون هذا النقص بهذه الأفعال الغريبة، محاولة منهم لتغطية نقصهم، وهذا ما يسمى بعقدة المظاهر.
إن أهل الرشد والعقلاء لا يبحثون عن المنظر ولا يهمهم ذلك وإنما يهمهم الجوهر لأنه الأساس، والمرء يقاس بمعدنه، والمشكلة الحقيقية في هذه الظاهرة تكمن في أن بعض الناس يصدقون أهل المظاهر الكاذبة وينخدعون بهم، علما بأنها كذبة كبيرة ووهم، وبسبب ذلك وقع أناس بسطاء وعلى نياتهم ضحية الإعجاب بالمظهر، وضحك على ذقونهم من هذا الباب وابتزوا.
إن المظاهر الكاذبة أنواع كثيرة فربما أعجبت بحديث رجل وكبر في عينك واستعجلت في الثناء عليه قبل أن تسبر غوره وتعرفه جيدا، وإذا بك وعلى حين غرة تكتشف العكس وينقلب ثناؤك إلى ذم لأن باطنه خلاف ظاهره، ومن هذه الأنواع أيضا تقليد الآخرين والمبالغة في اقتناء كل ما يظهرهم بأنهم الأفضل، إن ديننا السمح وشريعتنا الغراء تأمرنا بحسن المظهر، وتنهانا عن البذخ والسرف، يقول الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) «الإسراء: 29».
.. ودمتم سالمين