ذهب كثير من الناس إلى القول إن السياسة والأخلاق ليس بينهما وفاق ولا اتفاق، وهذا رأي قابل للنقاش والجدل والأخذ والرد، فهناك أناس يخالفون هذا الرأي، والسياسة بحد ذاتها ليس لها تعريف واحد، وإنما تعاريف عدة، وفي المدلول اللغوي فالسياسة تعني القيام على الشيء بما يصلحه، بينما يقول سقراط: هي فن الحكم، والسياسي يعرف هذا الفن.
وقال أفلاطون: فن حكم الأفراد والعناية بشؤون الجماعة، وعلى نفس السياق يصف أشهر رئيس وزراء بريطاني ونستون تشرشل نظريته في هذا المضمار فيقول: في السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، هناك مصالح دائمة.
وهناك أيضا من يقول إنها العلاقة بين الحكام والمحكومين، ومن الخطأ بمكان أن نقول لا أخلاق في السياسة، كوصف ميكافيلي لها، ففساد السياسة لا يكون إلا بفساد الأخلاق، وما أجمل أن تجتمع الأخلاق والسياسة في قالب واحد، فهنا تكون السياسة من نوع فريد، ومن لا يعرف النظام الأخلاقي لا يعرف السياسة على أصولها، فقد قامت دولة الإسلام في المدينة المنورة على سياسة المبادئ والأخلاق والقيم والفضائل.
ووصلت دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بهذا النهج القويم إلى شتى بقاع الأرض، فكان الإسلام بهذه السياسة هو الأمن والسلام، ولو تأملنا أول خطبة لأبي بكر الصديق بعد بيعته بالخلافة لوجدناها منظومة سياسية متكاملة للحكم، حيث بين أسس العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي من القواعد الأخلاقية المهمة، وفيما قاله في خطبته حضور حزمة القيم الإسلامية في العمل السياسي ككل، وهو العمل السياسي الراشد، وبذلك يظهر لنا أن السياسة جانب اجتماعي وأخلاقي.
ومع ما ذكرت فثمة أناس يقولون إن الحاجة إلى الأخلاق في عالم السياسة انتفت وبطلت وانتهت في هذا الوقت، ويعتبرون السياسة عالما مستقلا بذاته، لا دخل للأخلاق به، ونحن نقول إن السياسة العاقلة المتزنة إنما أساسها الأخلاق، والدليل على ذلك إجماع العالم على احترام سياسة رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد، وقد تقدمت بلاده تقدما كبيرا بفضل سياسته المتزنة، واستطاع بكل حنكة أن يجنب المجتمع الماليزي الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية، ما جعل ماليزيا تنهض اقتصاديا، إن الأخلاق يا سادة هي القيم والقواعد التي تؤمن الناس، فهناك تواصل وانسجام بين الأخلاق والسياسة، وإن جعل البعض بينهما توترا، وعدم تواؤم فهذا رأيه، ولا بد أن نذكر أيضا أنه يمكن دمجهما في أجواء الحرية والاعتدال والعدالة والمساواة، تنظمها القيم الأخلاقية الإنسانية، والأمر متروك لكم إن كان للأخلاق دور في السياسة أم لا.. ودمتم سالمين.