الصدفة هي ما يحدث لك دون أن تتوقع وبلا اتفاق أو موعد، لذلك قالوا في الأمثال: «رب صدفة خير من ألف ميعاد»، ومع ذلك فليس كل صدفة سعيدة فقد تكون مؤلمة لك وتتمنى لو لم تقع، ورغم تأثير الصدفة الإيجابي أو السلبي على نفس المرء فهي نادرة الحدوث، ولا تتكرر كثيرا في حياتك، ولا تخلو حياة الإنسان من الصدف، وقد تغير من مجريات أمورك وتقلبها رأسا على عقب دون أن تتوقع ذلك، وبما لا يخطر لك على بال، وقد حدث مثل ذلك، وسبحان الله تأتي الصدفة بغتة وبلا توقيت، ومن الصدف الجميلة أن الأطباء اكتشفوا أدوية تهم البشرية بمحض الصدفة، غيرت من حياة مرضى كثر.
ولو فكرنا قليلا لعلمنا أن الصدفة إنما هي مشيئة الله تعالى وقدره الذي جعلها لك بلا ترتيب، أو ليس لقاء النبي موسى عليه السلام بالسيدة آسية ابنة النبي شعيب عليه السلام، كان بالصدفة البحتة فكانت هذه الصدفة سببا في زواجهما، وكذلك إسلام أم معبد عاتكة بنت خويلد الخزاعية كان بمحض الصدفة أيضا وهو ما قضى به الله لها، فقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى يثرب مهاجرا، ومعه أبوبكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم عبدالله بن الأريقط الليثي، وكانت امرأة برزة جلدة فسألوها لحما وتمرا يشترونه فلم يصيبوا عندها شيئا، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاة فسألها عنها، فقالت شاة خلفها الجهد عن الغنم، قال: اتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها، فدعا بها ومسح ضرعها بيده وسمى الله، ففوجئت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء فحلب فيه، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم، ثم حلب ثانية حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها، فكان ذلك سبب إسلامها.
وكذلك الحال بالنسبة لنجوم ومشاهير وصلوا إلى الشهرة بالصدفة دون أن يتوقعوا ذلك، وقد ذكرت أن هناك صدفة لا تسر، فمن الصدف المحزنة دخول عبيد بن الأبرص الأسدي، وهو شاعر من كبار شعراء الجاهلية وحكمائهم على الملك المنذر بن ماء السماء يوم بؤسه بالصدفة، وهو اليوم الذي يقتل فيه من طلع عليه كائنا من كان، فقال له الملك لما رآه مقبلا: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد؟ فقال: أتتك بحائن رجلاه، فقال المنذر: أو أجل بلغ مداه، ثم قال له: أنشدني فإن شعرك كان يعجبني، قال: حال الجريض دون الغريض، قال: اسمعني، فقال: المنايا على الحوايا، فقيل له: ما أشد جزعك من الموت! فقال: لا يرحل رحلك من ليس معك، فقال المنذر: قد أمللتني فأرحني، فقال: من عزيز، وكل كلام عبيد الذي أجاب به المنذر صار أمثالا تروى، وفي النهاية كان مصيره القتل.
وهذه الصدفة القاتلة.. ودمتم سالمين.